إن الله طيّبٌ ولا يقبل إلا طيّبًا

إن الله طيّبٌ ولا يقبل إلا طيّبًا


أينما التفت المسلم وجد كتاب الله يُنظّم له شؤونه ويرسم له السّبيل الأقوم للصلاح والفلاح تُبيّن كلّ ذلك وتُفصّله سُنّة سيّد الأنبياء والمُرسلين عليه الصلاة والسلام حتى لا تبقى للمسلم على ربّه حُجّة. فقد هدي إلى الصراط المستقيم وأرشد إلى المحجّة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك. ومعاملات الناس ومجالات اتصالهم ببعضهم كثيرة لا تُحصى وهي مُتشعّبة تحكمها عدة روابط ومصالح: روابط العمل والمبادلات المالية والاقتصادية. وهذا الباب الأخير من أبواب النشاط البشري الاجتماعي لا يُمكن أن يتجاهلها ويتغافل عنها تشريع كالتشريع الاسلامي وكتاب كالقرآن الكريم وهدي كالهدي النبويّ الشّريف. لا عجب ولا غرابة ونحن نتصفّح القرآن الكريم والسنّة النبوية الطاهرة أن نجدهما يزخران بالنّصوص الرائعة في الدقّة والوضوح والتوجّه الذي لا ينثني نحو الهدف السّامي والمقصد السليم ألا وهو تحقيق سعادة الانسان في إطار من أحكام الشرع الحنيف. وإذا نحن نظرنا برويّة إلى مشاكل الناس اليومية وخلافاتهم وقضاياهم التي تغصّ بها درج المحاكم وتنتظر الفصل والفضّ. فسنجد أغلبها يرجع إلى حيف أو ظُلم أو تعدّ أو انحراف من أحد أطراف النزاع. ولو اهتدى كلّ طرف بما أنزل الله ولو التزم كلّ جانب حدود الله فلم يتجاوزها لأمن الجميع و اطمانّوا. لا عجب ولا غرابة والاسلام دين يسعى لتحقيق المصالح للانسان ويعمل جاهدا لدرء المفاسد وابعاده عنها أن يتطرق إلى قضايا تبدو لأول وهلة بعيدة عن أمر الدين وشؤونه ولكنّ النظرة الفاحصة تعتبر الأمور والمقاصد فكل ما من شأنه أن يقوّي لحمة المسلمين وصلتهم ببعضهم البعض إلاّ ودعا إليه الإسلام وأكّد عليه وأمر به. (وحيثما وُجدت المصلحة فثمّ شرع الله). إننا نجد في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام هديا وتشريعا ينظّم علاقة العامل بصاحب العمل والشريك بشريكه والبائع بالمشتري والفرد مهما كان موقعه في المجتمع والمجموعة. لا عجب ولا غرابة أن ينصّ كتاب الله فيما ينصّ وأن يأمر فيما يأمر بأمور هي إلى شؤون الحياة أقرب وأوثق صلة. ففي كتاب الله آيات تأمر بكتابة الدين وأداء الشهادة وإعطاء الحقوق لأصحابها وقسمة التركات وتنفيذ الوصايا وعدم المطل والغشّ والمغالطة والتطفيف والبخس. إنها تصرّفات وأفعال من صميم حياة الناس اليومية بل إنها سبب لكثير من خلافاتهم وخصوماتهم. في كتاب الله نهي عن الخبائث وتحريم لها وإباحة للطيّبات وترغيب فيها بيّنت كل ذلك سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى طيّب لا يقبل إلا طيّبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى (يا أيها الرسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحا) المؤمنون51، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم) البقرة172 ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء يا ربّ يا ربّ ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذّي بالحرام فأنّى يُستجاب له؟ ! )رواه مسلم فهذا الحديث يربط بجلاء ووضوح بين رضا الله عن العبد والاستجابة لدعائه وما يجلبه الانسان لنفسه من كسب وما يدخله في بطنه من طعام فإذا كان طيّبا حلالا يرجى لصاحبه رضا الله واستجابة الدعاء. وأمّا إذا كان حراما والعياذ بالله فأنى وكيف يستجيب الله لعبد مأكله من الحرام ومشربه من الحرام وقد غُذّي بالحرام؟! إن المؤمنين أمروا بما أمر به الأنبياء المرسلون ونهوا عما نهي عنه الأنبياء والمُرسلون أمروا بأن يأكلوا من طيّبات ما رُزقوا وأن يجتنبوا الخبائث والمحرّمات وما فيه شُبهات. ولا يظنن عاقل أن لا خبيث ولا محرّم إلاّ المسروق أو المسفوح الجيفة ولا محرم إلا ما كان ربا ألا وان كلّ حقّ للغير محرّم أخذه وضمّه إلى رزق الانسان المسلم. إن أكل أموال الناس بالباطل غشّا وتطفيفا ومغالطة حرام في دين الإسلام لا يقلّ حرمة عمّا يسرقه السّارق جهرة بل قد يعذر السارق إذا كان محتاجا شديد الاحتياج والفاقة. وما أقلّ في دُنيا الناس من يراقبون الله في الدرهم والدينار وفي البيع والشراء وفي العمل وفي الانتاج.وما أكثر من يخلطون بين أداء طقوس بتبتل وخشوع حتى إذا خلوا إلى دنياهم أنستهم ذكر الله وعقابه وعذابه فارتموا في أحضان الشبهات بل المحرّمات يعبّون منها عبا لقد برّر لهم تفكيرهم الذي لا حجة عليه ولا دليل شرعيّ يدعمه هذا التناقض والازدواجية وادعاء التدين والحال أن الصلاة الحقيقية والصوم الحقيقي والحج والزكاة وذكر الله لا يمكن ان تكون كل هذه الأركان مؤدية لدورها الذي ينتظره منها من يقوم بها ويؤدّيها وهو محو السيّئات وغفران الزلات ورفع الدرجات ودخول الجنّات إلا إذا صاحبتها مراقبة لله وخشية منه وامتناع عن إتيان واقتراف وارتكاب كلّ ما يُغضبه فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله قسم أخلاقكم كما قسّم بينكم أرزاقكم وان الله يُعطي الدنيا من يُحبّ ولا يحب والذي نفسي بيده لا يسلم أو لا يسلم عبد حتى يسلم أو يسلم قلبه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه؟ قال غشمه وظلمه ولا يكسب عبد مالا حراما فيتصدق به فيقبل منه ولا ينفق فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله تعالى لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث) رواه الإمام أحمد إن تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم على ان ما يكسبه العبد من مال حرام خبيث لا تقبل منه صدقة ولا يبارك له إنفاق ولا يبقى منه بعده للورثة فإنما هو زاده إلى نار جهنّم والعياذ بالله فليحرص المسلم وهو يسعى ويكد وهو يجد ويجتهد على مراقبة الله والوقوف عند حدوده حتى لا يخيب سعيه وتفلس تجارته ويتسبب في الهلاك. إن هذا الحس المرهف والمراقبة الدائمة لله قلّت اليوم في دنيا الناس فصرت لا تجد من يتورع ويبتعد عن الشبهات الواقع فيها واقع في الحرام لا محالة إنّه أشبه ما يكون بالراعي الذي يرعى حوله الحمى لا بدّ أن يغفل فتنال أغنامه من أملاك الناس وتتعدّى على حماهم. ولله المثل الأعلى فحمى الله هي محارمه.والمؤمن الحق هو الذي يرضى بالقليل الحلال ولا يرغب في الكثير الحرام، إنه يترك ما يريبه إلى ما لا يريبه ويُعرض عن كثير مما ترغب فيه نفسه خشية أن يكون ذلك حراما أو حقا من حقوق الغير. وأنّى لهؤلاء السائرين والمتلهفين على حُطام الدنيا المتكالبين عليها أنى لهؤلاء أن يجتنبوا المحرمات ويعرضوا عن الشبهات ويكتفوا بالطيّبات ولو كانت قليلة؟!



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.