منهج الفلاح الأخلاقي والسلوكي كما يرسمه الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام

منهج الفلاح الأخلاقي والسلوكي كما يرسمه الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام


إذا كان مقررا بين الجميع أن الانسان اجتماعي مدني بالطبع خلق ليخالط الناس في الأسرة والحي والمجتمع بأكمله.وهو محتاج إليهم وهم محتاجون إليه فإن على الانسان أن يتحلى كفرد بكل مكارم الأخلاق ليكون عنصرا بناء غير هدام مصلحا غير مفسد ولقد اعتنى ديننا الاسلامي الحنيف بالانسان الفرد ذكرا أو أنثى ودعى إلى تهذيبه وتربيته وتنشئته منذ الصغر على فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق بغرس العقيدة السليمة في قلبه وعلى الأبوين والأسرة والمجتمع بأسره تقع هذه المسؤولية. ألم يقل الرسول صلى الله عليه و سلم (يولد الولد على الفطرة “يعني الطهارة” وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه). و هذه الطهارة وتلك الاستقامة عند ميلاد الطفل ينبغي أن يحافظ عليها فتغرس في قلبه العقيدة السليمة ايمانا بالله وحده لا شريك له وشهادة خالصة بأن محمدا عبده ورسوله وتسليما مطلقا بالغيب بما فيه من ملائكة وكتب ورسل وبعث وحساب وقضاء وقدر. ثم وبعد ذلك ومنذ سن السابعة بل قبل ذلك يعلم الطفل الصلاة ويؤمر بها ويحبب ويرغب فيها ويعود عليها. فالنفس كالطفل الصغير تقوم وتعود إذا عودناها وتهمل إذا أهملناها وصدق من قال (والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم) فالصلاة أثرها في نفس الكبير و الصغير بالخصوص كبير ألم يقل الله تبارك وتعالى (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ولذكر الله أكبر) والانسان الذي ينشأ مؤمنا بربه متبعا لنبيه ورسوله محبا لهما مؤثرا لرضاهما سالكا طريقهما يتعود بذلك وينعكس أثر ذلك على كل تصرفاته مع غيره من عائلة (أبوان وأخوة وأقارب) وأجوار وزملاء وكل أفراد المجتمع.فأساس الإصلاح الاجتماعي يبدأ بالفرد، يبدأ بالطفل الصغير ثم يتدرج ليشمل كل أفراد المجتمع. ورسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم علمه ربه سبيل الإصلاح القويم وهداه إليه فسلكه وأثمر إصلاحه خيرا عاجلا وآجلا لم يهتم عليه الصلاة والسلام بشيء بعد غرس العقيدة في الأنفس وتطهيرها من الشرك والكفر اهتمامه بالأخلاق إلى أن قال (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وإنما في العربية تفيد الحصر فقد حصر الرسول صلى الله عليه وسلم كل مهمته في إصلاح أخلاق الناس وتهذيبهم وترشيدهم لأن الأمم تقوى وتزدهر بسلامة أخلاقها وتنهار وتضمحل بتدهور أخلاقها. وصدق من قال وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا وحين يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم الى الخلق الحسن والمعاملة الكريمة كان يسبق الناس إلى فعل ما يأمرهم به وكان يسبقهم على الانتهاء عما ينهاهم عنه. حتى يقتدوا به ويسيروا على منواله فقد كان على خلق عظيم: طهارة وعفافا وعفوا وصفحا ونجدة ومساعدة وكرما ولطفا وخلاصة القول فيه وفي أخلاقه مدح ربه له (وإنك لعلى خلق عظيم).فكان يعيش مع الناس يمشي في الأسواق يبيع ويشتري يجيب من دعاه ويعين من استعان به ولا يسب ولا يشتم و لا يضجر لا يغضب إلا اذا انتهكت حرمات الله لا يقول لا قط، لا يعاتب بل يردد ما شاء الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولما رأى الناس في نبيهم هذا السلوك وهذا التصرف وهذا الخلق الكريم الذي منشأه تأديب الله له (أدبني ربي فأحسن تأديبي). لما رأوا ذلك وقرؤوا قول ربهم (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) وسمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يكون هواة تبعا لما جئت به) أدركوا أن صلاح آجلهم وعاجلهم وإحرازهم على مرضاة ربهم رهين بتهذيب أنفسهم وإصلاح أخلاقهم بعد استقامة وسلامة عقيدتهم ومما زادهم شوقا وإدراكا ما أكده لهم الرسول صلى الله عليه وسلم إن حسن الأخلاق والمعاملة هي العلامة الحقيقية للتدين (الدين المعاملة) و(الدين النصيحة) وهي سبب الإحراز على مرضاة الله والقرب منه ومن رسوله الكريم (هل أدلكم على أقربكم مني مجالسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا الموطؤون اكنافا الذين يألفون ويؤلفون) وقد أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم مرات عديدة من جاءه يطلب النصيحة والوصية بجوانب من مكارم الأخلاق عديدة فقال لأحدهم لما قال له أوصني قال له ثلاثا لا تغضب وقال للآخر (قل آمنت بالله ثم استقم)، وقال لثالث (كن بارا بوالديك)، وقال لرابع (أطب مطعمك)، وقال لخامس (احفظ عليك لسانك)، تعجب الصحابي فقال: هل نؤاخذ يا رسول الله بما تنطق به ألسنتنا قال له الرسول (ثكلتك أمك وهل يكب الناس في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم). وقال لسادس إجابة عن سؤال هل يكذب المؤمن؟ قال لا يكذب بينما يمكن أن يقترف أي معصية أخرى ويتوب. وقال لسابع(احفظ لي ما بين فخذيك وما بين لحييك اضمن لك الجنة)، وقال لثامن (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) ونفى الإيمان عن الذي (لا أمانة له) وعن الذي لا يأمن جاره بوائقه (شره) وعن الذي يموت بجانبه جاره جوعا وهو يعلم. * فما من مكرمة إلا ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين إليها وما من مفسدة أو مضرة إلا ونهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم كان ذلك في بعض الأحيان موجها للفرد وفي بعض الأحيان الأخرى للمجموعة من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة) إن عناية الاسلام بعلاقة المسلمين ببعضهم البعض عناية كبرى فقد حرم عليهم قتل بعضهم البعض والنيل من أعراض بعضهم البعض بألسنتهم وحرم عليهم اغتصاب أموال وحقوق بعضهم البعض إلا أن يكون عن طيب خاطر ورضا نفس.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.