من معاني العيد ومغازيه في تقوية لحمة الأخوة

من معاني العيد ومغازيه في تقوية لحمة الأخوة


لا نزال في أجواء العيد السعيد، عيد الأضحى المبارك وهو احد عيدي الإسلام اللذين جعلهما الله تتويجا لعبادتين عظيمتين هما صيام شهر رمضان المعظم والحج إلى بيت الله الحرام. وهما بذلك الاعتبار مظهر من مظاهر الفرحة والسرور بما وفق الله إليه عباده المؤمنين من آداء ما أمرهم به من طاعات هي في البداية والنهاية حقه عليهم حيث يقول جل من قائل (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون). فعيد الأضحى الذي يحييه حجيج بيت الله الحرام وهم بجوار الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس بعد أن وقفوا يوم التاسع من هذا الشهر المبارك على عرفات -والحج عرفه- وقد نالوا من الله جل وعلا ما يثلج صدورهم من تجليه عليهم بالرحمة والغفران والتجاوز عما قدمت أيديهم من الخطايا والسيآت وخرجوا من عرفات ومن يوم عرفة كيوم ولدتهم أمهاتهم وهم (حجيج لبيت الله الحرام) في هذه الأيام في منى حيث يرمون الجمرات ويستحضرون ما دار على ارض منى من صراع مرير بين إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام وبين إبليس اللعين وكيف كانت الغلبة في النهاية للحق على الباطل الزهوق. وقد شاركهم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها استحضار هذه المعاني من الابتلاء والامتحان الذين تعرض لهما إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل وذلك عندما أحيا المسلمون سنة محمدية حيث قدموا أضحيات انفقوا في سبيل اقتنائها حر مالهم للتقرب بها إلى الله في يوم العيد السعيد آملين من الله العلي القدير أن يكتب لهم بكل قطرة من دمائها وبكل شعرة من أصوافها حسنات تقربهم من الله وذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ضحى بكبشين أقرنين احدهما عن نفسه وأهله والثاني عن الفقراء من أمته حتى تقر أعين من لم يضحوا إذ تعاليم الإسلام مبنية على التكليف بما هو في الطاقة والإمكان (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) إذ النوايا في الإسلام هي المطايا ويبلغ المرء في دين الإسلام بنيته ما لا يبلغه بعمله ونية المرء في الإسلام خير من عمله وإنما يجد المؤمن من عمله في صحائفه ما نواه (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فالأضحية كما هو معلوم سنة ولم يطلب الإسلام من المسلم أن يدخل تحت طائلة ديون لا يستطيع أداءها في سبيل إحياء سنة كفاه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ضحى بالكبش الثاني عن فقراء أمته إلى يوم القيامة. وكفى المسلم غير القادر على الأضحية شرفا بان ضحى نيابة عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستنادا إلى هذا الفهم السديد والصحيح وحتى لا يكون إحياء هذه السنة تفاخرا وعجبا ورياء كما هو الحاصل في كثير من الأحيان فقد اكتفى ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بلحم اشتراه في يوم العيد وذلك ليعلم غير القادرين على إحياء هذه السنة أنها ليست فرضا لا يجوز تركه إذ لو كان الأمر كذلك لما ترك فعله حبر الأمة رضي الله عنه. كما أن هذه إنما المقصود منها الرمز والهدف وما يترتب عليها من مصلحة عاجلة وهي كفاية المحتاجين بشيء منها حتى تعمهم الفرحة بالعيد وقد كان ادخار لحوم الأضاحي غير جائز في صدر الإسلام تكريسا لقيمة التضامن والتآزر والتراحم بين المسلمين حيث قال عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي من اجل الدافة ألا فكلوا وادخروا) ويستنتج من هذا الحديث الشريف أن إحياء هذه السنة ينبغي أن يكون التفاعل فيه واضحا وفعليا مع المحيط الاجتماعي بحيث لا بد أن يكون للفقراء والمحتاجين نصيب في هذه الأضاحي تكريسا لقيمة الرحمة باعتبارها علامة لقوة الإيمان وتغلغله في القلب (من لا يرحم لا يرحم) و(الراحمون يرحمهم الرحمان و(ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء) و(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) و(لا يؤمن بي من بات شبعانا وجاره إلى جانبه جائع) و(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) كل هذه المعاني لابد من استحضارها في أيام العيد بتفقد المحتاجين ومد يد المساعدة إلى من هم في حاجة حتى تعم فرحة العيد جميع المسلمين. ولا تزال والحمد لله هذه المعاني حاضرة في واقع المسلمين سواء كان ذلك في عيد الفطر من خلال زكاة الفطر أو في عيد الأضحى من خلال هذا النصيب الذي جعله الله في الأضاحي للفقراء والمحتاجين. إن العيد هو فرصة للصفح والعفو والتواصل بين الأقارب وذوي الأرحام وعموم المسلمين تقوية لوشيجة التواصل والتلاقي والتواد دبين الأقارب والأجور وعموم المسلمين لاسيما ذوي الحاجات والعاهات والمرضى والمبتلين والفقراء و المحتاجين والأيتام فاقدي السند فذلك هو صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العيد فقد كان يخرج إلى الساحات ويقف مع الأيتام ويضمهم إلى صدره ويمسح على رؤوسهم إدخالا للمسرة عليهم ولا يخفي ما في ذلك من الأجر والثواب وما فيه من استحقاق لرحمة الله.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.