من ملامح التجربة المغربية في تدبير الشان الديني
احتضنت مدينة فاس العاصمة العلمية للمملكة المغربية في الفترة الاخيرة (14 ماي 2014) اللقاء العالمي الثالث للتجانية وقد حضره عدد كبير من شيوخ الزوايا التجانية القادمين بالخصوص من بلدان غرب افريقيا وما وراء الصحراء حيث الحضور التجاني كبير جدا يعد بعشرات الملايين (في نيجيريا فقط اكثر من ثلاثين مليون تيجاني من اتباع شيخ الاسلام ابراهيم نياس رحمه الله وهو عالم سنغالي كبير صاحب مؤلفات عديدة منها تفسير للقرآن الكريم نشر في السنوات الاخيرة وتولت طباعته دار اليمامة بتونس ونفذت تلك الطبعة بسرعة كبيرة) وتتم ترجمته إلى اللغة المحلية النيجيرية. * وانعقاد هذا اللقاء بمدينة فاس يعود إلى اقامة ووفاة سيدي احمد التيجاني رضي الله عنه بهذه المدينة العريقة والتي فيها جامع وجامعة القرويين اخت الزيتونة (اذ هما جامعتان علميتان سنيتان اشعريتان مالكيتان جنيديتان) نشرتا هذه الخصوصيات في ربوع الشمال الافريقي وبلدان ما وراء الصحراء، اليهما شد الرحال طلبة العلم من هذه الربوع وعلى ايدي شيوخهما وعلمائهما البررة تخرجوا وفق هذا النهج القويم السليم الذي كان سببا في انسجام افراد مجتمعات الغرب الاسلامي. * ولد سيدي احمد التيجاني رحمه الله في الجنوب الغربي الجزائري (عين ماضي) وهناك ترعرع وحصل علوم الشريعة وسلك طريق الحقيقة. * وفي فاس ببلاد المغرب الاقصى نشر الطريقة وربي المريدين والاتباع فذاع صيته وعم الآفاق وبواسطة تلاميذه وخلفائه انتشر الاسلام في مجاهل افريقيا في تلازم بين مكونات الدين: الاسلام والايمان والاحسان. * فالاحسان هو أن يعبد المسلم ربه كانه يراه، وهي مرتبة لا يمكن الوصول اليها إلا بالمجاهدة (الجهاد الاكبر) الذي هو جهاد النفس حتى تصفو وتخلص العمل لوجه الله (وما امرو إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)، والله تبارك وهو اغنى الشركاء لا يقبل من العمل إلا اصوبه (ما وافق الكتاب والسنة) واخلصه اي ما لا تشوبه اية شائبة. * والطريقة التجانية مثلها مثل كل الطرق السنية ركيزتها الاساسية هي الكتاب والسنة باجتناب النواهي وآداء الواجبات والاكثار من ذكر الله (اذكروا الله ذكرا كثيرا) لان الذاكر مذكور (اذكروني اذكركم) والاكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وكثرة الصلاة عليه علامة محبته ومن أحب رسول الله كان معه في الجنة (ابشر فانت مع من احببت) * في هذا اللقاء المبارك يتجدد الإيمان: (جددوا ايمانكم بملاقاة بعضكم البعض) وبهذا اللقاء يتواصل اتباع التجانية فيما بينهم وتتقوى لحمة الاخوةبينهم ويحافظون على الخصوصيات التي عرفوا بها ورباهم عليها شيوخهم وهي خصوصيات جربت فصحت حيث جنت ثمراتها شعوب ومجتمعات البلدان التي استوطنوها فكانوا رسل اخاء وسلام ووئام وتعاون وتعايش. * يستضيف المغرب هذا اللقاء العالمي ويرعاه على ارفع المستويات حيث يتوجه اليه جلالة الملك محمد السادس برسالة توجيهية يقراها نيابة عنه وزير الاوقاف والشؤون الإسلامية. * وتتكفل الدولة المغربية بكل مصاريف اقامة هذا اللقاء الكبير مثلما تفعل ذلك في تظاهرات اخرى كبرى كلقاء سيدي شيكر بمراكش ولقاء جبل العلم للمولى عبد السلام بن مشيش ويندرج كل ذلك ضمن برنامج اصلاح الشان الديني الذي انطلق منذ سنوات والذي من مظاهره الدروس الحسنية الرمضانية وانطلاق القناة السادسة الاذاعية والتلفزية واحداث مركز محمد السادس لتكوين وتاهيل الوعاظ والائمة (وضع حجره الاساسي الملك محمد السادس يوم 12 ماي 2014 بكلفة مقدارها مائة واربعين مليون درهم (ما يعادل 12 مليون اورو) والذي انطلقت اشغاله ليتولى تدريب وتوجيه الائمة والوعاظ في دورات تمتد لعدة اشهر تعهد المغرب باقامتها لفائدة مئات الائمة من البلدان الافريقية (مالي وساحل العاج وغينيا والغابون وغيرها...) التي عبرت دولها عن حاجتها الماسة إلى مثل هذه الدورات التي تركز خصوصيات الاسلام السني الاشعري المالكي الجنيدي والذي ظل سائدا قرونا طويلة وجرب فصح. * وخلال الزيارة التي قام بها اخيرا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى بلدان غرب افريقيا كان مصحوبا بوزير الاوقاف والشؤون الإسلامية وكان من بين فقرات برامج زيارته آداء صلاة الجمعة واهداء آلاف النسخ من المصاحف القرآنية على رواية ورش وهي الرواية السائدة في تلك الربوع إلى الهيآت الإسلامية كما كان من برامج هذه الزيارات استقباله للقائمين على الشؤون الدينية وشيوخ الطرق الصوفية وكل ذلك يندرج في اطار استئناف التواصل العلمي والديني والروحي بين شمال القارة الافريقية وغربها وجنوبها، وهو دور تنهض المغرب اليوم بقسط كبير منه وستكون نتائجه اكبر عندما يتعزز بجهود شقيقاتها الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا ففي ذلك باذن الله الخير كل الخير للجميع.
