من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع (الحلقة الثامنة عشرة): لماذا يطلق البعض ألسنتهم بالسوء ؟!

من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع (الحلقة الثامنة عشرة): لماذا يطلق البعض ألسنتهم بالسوء ؟!


يقول الله تبارك وتعال:“ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم” صدق الله العظيم (الحجرات). إن حرمة عرض المسلم على المسلم هي كحرمة دمه وماله وإننا لنرى اليوم من المسلمين استهانة واحتقارا لما يأتونه من انتهاك لأعراض بعضهم البعض بألسنتهم مما يخالف توجيهات الإسلام وإرشادات سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وازكي السلام فقد حذر الإسلام المسلمين من نتائج إطلاقهم لألسنتهم وعدم تقيدهم بآداب الشرع الحنيف فيما يقولون وفيما يسمعون. واللسان هذا العضوالصغير في الجسم مصدر أساسي للخير أوالشر وسبب لا يستهان به من أسباب النجاة أوالهلاك...بل إن قيمة الإنسان والحكم له أوعليه يرجع في نصيب كبير منه إلى هذا اللسان ومعه القلب فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا سلم القلب من الضغائن والأحقاد وتنزه اللسان عن أن يقول إلا خيرا فقد اكتمل الإيمان من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرا أوليسكت ". وفي السكوت والصمت وحفظ اللسان وعدم الاعتناء والاهتمام بما لا يعني غنم كبير وأجر عظيم والصمت أول مراحل السلوك الصالح والسير المستقيم في الطريق. بل هوعلامة حسن إسلام المرء ففي الموطأ والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام يذهب في حديث أخر إلى أن المسلم لا يكون مسلما حقا إلا عندما يسلم الناس من يده ولسانه. ومع هذا فإننا نرى المسلمين اليوم يستهينون كثيرا بما تنطق به ألسنتهم في حق بعضهم البعض ضاربين عرض الحائط بما اعتبره الإسلام أكلا للحم الأخ المسلم وهوما لا يستساغ ولا يقبل..ولولم يحذر المسلمون من هذه الاستهانة والاحتقار لما تنطق به ألسنتهم لهان الأمر...أما واحد الصحابة وهو معاذ ابن جبل رضي الله عنه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بلسانه فقال: “كف عليك هذا فقلت يا رسول الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أوقال على مناخرهم إلا حصائد السناتهم؟!”. الترمذي . نعم إن أكثر ما يدخل الناس إلى جهنم من أعمال الشر هو حصاد الألسنة وحصد الألسنة كثير ومتنوع : الكذب والنميمة والسعاية وإفساد ذات البين والغيبة واستنقاص الناس واحتقارهم وذكرهم بما يكرهون وسبهم وشتمهم ، وكل ذلك أذى ولوكان معنويا ولكنه له على الناس وعلى علاقاتهم ببعضهم البعض أثر سيئ جدا ، إنها الفتنة التي تأتي على الأخضر واليابس وتحلق الأعمال الصالحة كما يحلق الموسى الشعر.. ويزيد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر توضيحا وهذه المعصية بيانا بترهيب شديد حين سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟. قال: الفم والفرج. البيهقى وابن حبان والترمذي . واهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر ، جعله يضمنه لخطبته الجامعة في حجة الوداع عندما وقف في يوم الحج الأكبر يوصي أمته بما يصلح حالها ومآلها ويحذرها مما يمكن أن يكون سببا في هلاكها لقد قال عليه الصلاة والسلام من جملة ما قال في ذلك اليوم “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا فليبلغ الشاهد الغائب ألا هل بلغت؟” البخاري ومسلم ... لقد حرم المسلمون دماء بعضهم البعض في أغلب الأحوال اللهم إلا في بعض الفترات المظلمة حين التقى المسلمان بسيفيهما بتدبير من أعدائهم الذين لا يريدون لهم إلا الفرقة والضعف والمهانة وحرم المسلمون أموال بعضهم البعض فلم يمس المسلم مال المسلم بدون رضاه. ولكن الأعراض لم تسلم ، استهان بها المسلمون انتهكوها وسمحوا لألسنتهم أن تلغو فيها فلم يعد للمسلم عند المسلم حرمة ولم تعد لعرضه تلك القداسة التي أرادها لها الإسلام وعندما استهان المسلمون بأعراض بعضهم البعض وأطلقوا ألسنتهم ظانين أن لا حسيب عليها ولا رقيب عند ذلك ساءت علاقاتهم وتمزقت وحدتهم وسعى بينهم لتفريقهم عدوهم وأوغر الشيطان صدورهم على بعضهم البعض وترتب عن كل ذلك استهانة المسلم بالدم والمال... إن انتهاك عرض المسلم وانتهاك حرمته ذنب عظيم ومظلمة كبرى لا تمحى ولا تغفر إلا بعفووصفح من ظلم وانتهكت حرمته.. فأشد الربا وأربى الربا وأخبث الربا انتهاك عرض المسلم وانتهاك حرمته، حقا إن حق المسلم على المسلم أن يصون عرض أخيه فلا ينتهكه. ولوتواصى المسلمون بخلق الإسلام في هذا المجال لارتاحوا من عديد المشكلات والمعضلات. ولواستعمل ما في الدين الحنيف من ترغيب وترهيب شديد وتهويل للعذاب وإشعار للمسلم بما أعده الله من العقاب والعذاب للمسلم الذي لا يحفظ لسانه والذي لا يسلم الناس من أذاه وبهتانه. ولوالتفت المسلمون إلى ما في الدين الحنيف من توجيهات لزالت عديد الخلافات والشبهات.. فعندما يلقم المعتدى الظالم لغيره الكاذب عليهم ينتهك أعراض الناس بالباطل حجرا يرده على أعقابه يسلم جميع الناس من أذاه ولا يفكر في مواصلة السير في المنهج المنحرف. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: أتدرون أربى الربا عند الله؟.. قالوا : الله ورسوله أعلم ..قال : إن أربى الربا عند الله تعالى استحلال عرض امرئ مسلم .. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :“والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا” (النور) رواه أبو يعلى. قد يظن بعض الناس أن المحرم من الكلام في أعراض الغير ما كان باطلا لا صحة له..أما ما هوواقع فلا بأس به ولوكان مؤذيا. كلا إن كل ما فيه أذى بالنسبة للمسلم حتى ولوكان حقيقة مما يحرم إتيانه.. إن أذى المسلم حرام وللمسلم حرمة فلا ينبغي استنقاصه وإن الأمر ليعظم عندما يستنقص المسلم لأجل عاهة أومصيبة حلت به قضاء وقدرا في خلقته التي خلقه الله عليها (كأن يكون أعرج أو أعور أو أعمى أو مبتور اليدين أو الرجلين أو مجذوما أو لم يرزق مالا أو ولدا أو كان قصيرا أو صغيرا أو غير ذلك).. إن الإسلام يفرض على المسلم أن يراعي مشاعر أخيه المسلم فلا يؤذيه بل يسليه ويرضيه بقضاء الله وقدره ويذكره بما أعد الله له من عظيم الأجر وجزيل الثواب إذا هوصبر. وإن كل مصيبة دون مصيبة الدين تهون وتحتمل. إن السخرية والاحتقار وإظهار الشماتة ليست من خلق المسلم ولا من صفاته بل إنها يمكن أن تكون سببا في الابتلاء والامتحان “لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك” حديث نبوي أخرجه الإمام الترمذي وقال حديث حسن ، وإذا رأى المسلم عاهة أونقصا في شخص أخر فليقل “الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا يقولها في نفسه سرا”. وروى أبو داود والبيهقى والترمذي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة تعني قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". فان أم المؤمنين لم تزد على وصف السيدة صفية بما فيها ومع ذلك فان الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبرها قد آذتها واعتبر كلمتها التي قالتها غيبة وأنها لوخلطت بماء البحر لغيرته. وقد روى الأصبهاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الرجل ليؤتى كتابه منشورا فيقول يارب فأين حسنات كذا أوكذا عملتها فليست في صحيفتي فيقول محيت باغتيابك الناس”.. فسيأت هذا الرجل محت حسناته وأذهبتها ووقف بين يدي الله مفلسا خاسرا خائبا .. وها هو ذا الرسول صلى الله عليه وسلم يبين حقيقة الغيبة فيرسم حدودها قال : “أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته”.. وهكذا يغلق الرسول صلى الله وسلم الباب أمام كل مغتاب ينال بلسانه الناس فيؤذيهم ويدفع المسلم إلى محاسبة نفسه ومراقبتها في فعلها وقولها حتى لا يقول المسلم إلا خيرا أويصمت .



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.