مخاطر المراء على وحدة الكلمة

مخاطر المراء على وحدة الكلمة


اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وانبروا يتناقشون كما يتناقش الناس في شؤون دنياهم، ودينهم والحديث- كما يقولون ـ ذو شجون- فبلغ بهم المطاف في نقاشهم وجدلهم إلى مسألة القضاء والقدر، وهنا احتدم النقاش وعلت الأصوات وانتصر كل لرأيه يدعمه بكل دليل ويبطل الرأي المقابل له وفي عنفوان هذه الخصومة خرج عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ـ وقد سمع بعض حديثهم عن كثب فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم انتهرهم فقال: يا أمة محمد لا تهيجوا على أنفسكم ثم قال ابهذا أمرتكم؟ أو ليس عن هذا نهيتكم؟ انما هلك من كان قبلكم بهذا، ثم قال ذروا المراء لقلة خيره ذروا المراء فإن نفعه قليل ويهيج العداوة بين الاخوان، ذروا المراء فإن المراء لا تؤمن فتنته ذروا المراء فإن المراء يورث الشك ويحبط العمل ذروا المراء فإن المؤمن لا يمارى، ذروا المراء فكفى به إثما ذروا المراء فإن الممارى لا أشفع له يوم القيامة ذروا المراء فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة وسطها وربضها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق فإنه أول ما نهاني الله عنه بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر، ذروا المراء فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد ولكن رضي بالتحريض وهو المراء في الدين ذروا المراء فإن بني اسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة. والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة وان أمتي ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة كلهم على الضلالة إلا السواد الأعظم قالوا يا رسول الله ومن السواد الأعظم؟ قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي، ثم قال: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء قالوا يا رسول الله من الغرباء؟ قال الذين يصلحون إذا أفسد الناس ولا يمارون في دين الله. هكذا نرى الرسول عليه الأعظم عليه الصلاة والسلام يحتد وهكذا نسمعه يتحدث عندما يرى من أمته ما يهدد بالخطر وما يصرف عن المهم والأهم ولم يذكر رواة الحديث أن إهانة بدرت من بعض المتجادلين نحو بعض ولم ينفرد واحد من هؤلاء الرواة جميعا بذكر كلمة ينم منها الإلحاد والشك ولم تعدو هذه المجادلة النقاش الحار ورفع الأصوات ومناصرة الرأي والدفاع عنه بحماس، فمالنا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يغضب إلى هذا الحد؟ ويهاجم النقاش والجدل والمحاجة بمثل هذا الهجوم العنيف فيكرر كلمة المراء في كل فقرة وينذر بخطرها الداهم وشرها المستطير؟ لا شك أنه العليم بأغوار النفوس والخبير بطباع البشر وان ربه جل وعلا علمه ما لا يعلمه الناس، فكيف إذا يبقى بنفس من يعلم هذا شيء من الاستغراب والحيرة واننا لنحس إحساسا متفاوتا بما يجره النقاش المتهور من خطر على مصالح الدين والدنيا ذلك إن المستويات العقلية كانت وما تزال مختلفة متباعدة ومثلها أيضا العواطف والمشاعر وتبعا لهذه وتلك يأتي إتساع الصدر وضيقه ورسوخ العقيدة وتزعزعها وما دامت هذه الأشياء وغيرها توزع مشارب الناس ومذاهبهم وتكيف إلى حد بعيد مصائر الأفراد والجماعات ما دام كل هذا من حقائق الوجود الانساني التي لا جدال فيها، فإن كل عاقل غيور يشاطر سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم في كل جزئية من تلك الجزئيات التي تعرض لها في الحديث العظيم الذي كنا نسمعه جميعا وهنا نسمع همس بعض الاخوان يرددون أين حرية البحث؟ وحرية البحث لا بد فيها من الأهلية أولا وقبل كل شيء ثم اننا نلمس فرقا كبيرا بين كلمة بحث وبين كلمة مراء التي هي جدال ونقاش فيه معنى الحدة وفيه نصيب من العناد والتعصب للرأي وأي عاقل لا يدرك خطورة هذا النوع من البحث على حاضر الأمم ومستقبلها وعلى دينها ودنياها إن أولئك الذين يحق لهم أن يخوضوا في المواضيع الشائكة العويصة هم عبر الأزمنة نفر قليل حباهم الله بصفات يندر وجودها عند غيرهم، فهم أولا وقبل كل شيء يجب أن يكونوا من ذوي الأقدام الراسخة في العلم والايمان حتى يكون ذلك الرسوخ درعهم الحصينة وجنتهم الواقية من نزعات التذبذب والشك ولست أعني شؤون الدين وحسب بل أقصد الدنيا والدين لأن لكل منهما مشكلات وعوائص لا يعلم تأويلها إلا الراسخون في العلم إذا فتح لهم الله مغلقاتها ومكنهم من إدراك حقائقها وليس أضر على وحدة الأمة واحترام الأفراد من فتح أبواب النقاش على مصاريعها يقتحمها جميع الناس على اختلاف مستوياتهم الذهنية والعاطفية وعلى اختلاف أمزجتهم وطباعهم وأذواقهم ومشاربهم إن ذلك هو نذير وبداية التصدع وإنه لفاتحة الإدعاءات الفارغة والشكوك والأوهام فلا غرو أن نرى النبي صلى الله عليه وسلم يسارع إلى هذا الباب من الشر فيغلقه بعنف وشدة كي لا يتسرب منه الشر إلى أمته التي أخلص لها الحب وآثرها على فاطمة والحسين وأنذرها مغبة المخالفة وعاقبة التفريط ومن أنذر فقد أعذر.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.