من مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام

من مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام


لا يحتاج الدارس للإسلام إلى عناء كبير كي ينتهي إلى نتيجة لا يختلف فيها اثنان ألا وهي الحضور البارز للبعد الاجتماعي في كل ما دعا إليه الإسلام وما نهى عنه وهذه النتيجة تنسجم مع حقيقة يسلم بها كل مسلم ألا وهي غنى الله سبحانه وتعالى عن أفعال عباده. فهو جل وعلا لا تنفعه طاعات المطيعين كما لا تضره إساءات المسيئين فقد ورد في الحديث القدسي قول الله تبارك وتعالى [يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] ولا شك أن المقصود بالعبادة التي من اجلها خلق الله خلقه الواردة في الآية الكريمة [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد إن يطعمون] إنما هي العبادة بمعناها الشمولي المحيط بكل ما يأتيه المسلم من حركة وسكنة كما تدعو إلى ذلك الآية الكريمة [قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين] ولا يكون أمر المسلم مع ربه على تلك الحال إلا متى وضح البعد الاجتماعي للإسلام في ذهن المسلم وانخرط فيه بكليته يعبر بذلك عن قوة إيمانه وصدق إسلامه. ولترسيخ هذا البعد الاجتماعي لرسالة الإسلام جعل الله تبارك وتعالى من الرحمة والرفق وحب الخير مجالا فسيحا لمثابرة المسلم وتفانيه في البذل والعطاء وميدانا للتنافس الشريف من اجل الإحراز على مرضاة الله والفوز بما أعده من اجر عظيم للمحسنين. وهكذا وبدون أن يمحو الإسلام شخصية الفرد ودون إن يحدد من طموحاتها وتطلعاتها المشروعة ودون إن يكبتها دفع الإسلام أفراد مجتمعه في اتجاه ضرب من المجاهدة والتضحية والإيثار آتت ثمرتها العاجلة فيما أراد الإسلام أن يبرزه من نموذج فريد لم يأت الزمان بمثله في تواصل وتراحم وتعاون وتشابك في العلاقات بين أفراد مجتمعه. وفي سبيل بلورة هذا التوجه الذي لا عهد للناس به توالى تنزل الآيات البيّنات الدافعة إلى التجسيم العملي من طرف المسلم في حيز الواقع المعيش لهذا البعد الاجتماعي الإنساني مذكرا بالحقائق الثابتة من مثل وحدة الأصل الإنساني [يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم] (الحجرات الآية 13) ومصححا للأفهام معمقا للأبعاد بحيث ترتبط العقائد بالعبادات (في معناها الشعائري) وبالمعاملات في شقيها المادي والمعنوي الأخلاقي يقول جل من قائل [ليس البر إن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون] البقرة 177. والناظر في العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج وهي أركان الإسلام، وحق الله على عباده الذي لا يرضى منهم دونه [وما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه] الناظر في هذه العبادات يظفر بيسر وسهولة بما يراد تحقيقه منها للقائم بها بعد آداء حق الله [وما خلقت الجن والإنسان إلا ليعبدون] فالمراد منها بعد ذلك هو ما تحققه من أبعاد اجتماعية [إن العبادات في الإسلام تقوم على فكرة التعاون الاجتماعي بين المؤمن وبين الناس جميعا... فهذه الصلاة ما فوائدها؟ وما حكمتها؟ ما الغاية منها؟ أهي طقوس ورموز لا معنى لها؟ أهي حركات آلية لا مغزى لها؟ أهي صلة فردية بين العبد وربه كما يتوهم الجاهلون؟ كلا إنها عملية تطهير وإعداد. تطهير للإنسان من كل آثار الإنفرادية والقسوة والغفلة والفاحشة... وإعداد له ليتحلى بكل خلق اجتماعي تعاوني فيه للناس جميعا فائدة ونفع.. وهذا الصوم! ما فائدته؟ ما حكمته؟ ما غايته؟ اهو جوع وعطش؟ اهو تعذيب وحرمان؟ كلا انه عملية تطهير وإعداد أيضا تطهير للصائم من القسوة والبخل أو اللغو والعبث والكذب والخصام... وإعداد له ليتحلى بكل ما يحبب الصائم إلى الناس من تعاون ورحمة وبر ووفاء وشعور بآلامهم في الفرح والحزن وفي الشدة والرخاء. وهذا الحج! لم شرع وعلى من فرض؟ أهو غربة وعذاب؟ أهو طواف حول أحجار وبنيان؟ أهو اثر من آثار الوثنية كما يتوهم الجاهلون؟ كلا انه اجتماع وتعارف ولقاء وتعاون انه تطهير وإعداد أيضا تطهير للمسلم من آثار الانعزالية والأنانية والرخاوة والترف... وإعداد إلى روح التعاون والاجتماع.. وهذه الزكاة... هي معجزة الإسلام في تشريعه الاجتماعي العظيم وهي سر بقاء المجتمع الإسلامي مئات السنين سليما قويا متماسكا لا تهزه الثورات ولا تزعزعه الأزمات... وهي مظهر من مظاهر الروح الاجتماعية التي تتغلغل في تشريع الإسلام حتى لتكاد تمحى فيه روح الانعزالية الفردية](1) ولا تزال الزكاة كأحد أركان الإسلام الخمسة هذه العبادة المالية التي حارب من اجل الإبقاء عليها الخليفة الأول أبو بكر الصديق ما نعيها قائلا: [والله لا افرق بين أمرين جمعهما الله [أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة والله لو منعوني عقالا كانوا يعطونه لرسول الله لقاتلتهم عليه] لا تزال الزكاة هذا الركن الأصيل المتجدد بتطور حياة الناس الملاذ الذي به تتحقق في مجتمع المسلمين التعادلية والوسطية التي لا يصبح بها المال دولة بين الأغنياء إلى جانب فقراء معدمين. فلقد كانت الزكاة ولا تزال تزكية وتطهير لأموال من أخرجوها وأدوها [خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها] (التوبة 103) مثلما هي تحصين لهذه الأموال من كل ضياع وإتلاف فقد ورد في الحديث الشريف [داووا مرضاكم بالصدقة] وقال عليه الصلاة والسلام: [ما بقيت الزكاة في مال أحد إلا أهلكته]. كما أزالت الزكاة ولا تزال من أنفس من أمر الله أن تصرف إليهم [إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله] التوبة 60 كل صنوف الحقد والبغضاء والكراهية والحسد إذ لا يخفى ما في العطاء والبذل والمواساة والإحسان من تلطيف للمشاعر وبذر للمحبة والود بين المعطي والمتلقي. ولا شك أن الزكاة هذا الركن من أركان الإسلام وهذه العبادة المالية ستظل تحتاج إلى مزيد من النظر في الطريقة التي تستفيد بها المجتمعات الإسلامية استفادة أوسع واشمل فحياة الناس تتطور وحاجاتهم تتعقد وما كان بالأمس من قبيل الكماليان أصبح اليوم من قبيل الكماليات والضروريات وما كان بالأمس احد مصارف الزكاة مما يعد مظهرا من تشوف الشريعة الإسلامية إلى تحقيق الحرية والقضاء على العبودية (مصرف تحرير الرقاب) لم يعدد والحمد لله قائما في حين أن العديد من المجالات والميادين التي لو صرف فيها جانب من مال الزكاة (كتطوير البحث العلمي وإشاعة حقائق الإسلام ونفي الشبهات عنه بما تيسر من إعلامية ومعلوماتية وإنترنات وفضائيات) لو صرف في هذه المجالات وغيرها شيء من مال الزكاة لتحقق اليوم سلميا ما تحقق بالأمس عن طريق الفتوحات. وقد عقد سماحة الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله فيس كتابه: أصول النظام الاجتماعي في الإسلام فصلا مهما تحت عنوان: المؤاساة حرر فيه القول في هذه المسالة حيث أعادها إلى أصولها مقيما على ذلك الحجج العقلية والنقلية. فالمؤاساة كما يعرفها الشيخ ابن عاشور: (هي كفاية حاجة محتاج الشيء مما به صلاح الحال). ويعيد المؤاساة إلى أصلها فيقول: تندرج المؤاساة تحت أصل الأخوة الإسلامية لان تلك الأخوة جعلت المسلمين بمنزلة إخوة في النسب بحكم قوله تعالى “إنما المؤمنون أخوة”... والأخوة النسبية تقتضي مؤاساة الأخ أخاه عند الحاجة... على انه إذا أعمقت التدبر وجدت المؤاساة من مقتضيات الفطرة فهي راجعة إلى أصل وصف الإسلام مباشرة كما رجعت إليه الأخوة... فليست المؤاساة بحاجة إلى إيوائها تحت ظل الأخوة لأن المؤاساة كفاية حاجة المحتاج عند الشعور بأنه محتاج ومن الفطرة الإنسانية انفعال النفس برقة ورحمة عند مشاهدة الضعف والحاجة لاستشعار تألم المحتاج ثم اندفاع بذلك الانفعال إلى السعي إلى تخليصه من آلام تلك الحاجة لا يتخلف هذا الإحساس إلا نادرا وعندما يحف به عارض يعكسه إلى ضدّه. * فالمؤاساة أصل من أصول نظام الإسلام وكانت من أول ما دعا إليه الإسلام ونزل به القرآن في أوائل نزوله... ويورد سماحة الشيخ ابن عاشور تدليلا على ما يذهب إليه الآيات المكية الداعية إلى المؤاساة بوجه إجمالي أي غير مفصل الحكم بين وجوب واستجاب ولا مبين المقدار وذلك لقلة عدد المسلمين بمكة. ولكن هذا الوضع تغير بعد الهجرة وكان مثل تلك الجماعة (في المدينة) لا يخلو من محتاج لا سيما المهاجرين الذين تركوا بمكة أموالهم وأهليهم... يقول الشيخ ابن عاشور: حينئذ قامت أسباب مشروعية المؤاساة: بتنويع وتقدير وتفصيل فشرعت كذلك ولقد انتدب إليها الأنصار فكانوا يواسون المهاجرين بأنواع المؤاساة كما حكى الله تعالى عنهم بقوله [يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة] ويقدم سماحة الشيخ ابن عاشور نماذج لتسابق الأنصار إلى المؤاساة كل بما يجد وبعد أن يعدد أنواع المؤاساة في الإسلام يقسمها إلى قسمين: جبرية واجبة واختيارية مندوب إليها ويعلل هذا التقسيم فيبين الحكمة منه يقول: "لأن الناس صنفان صنف يندفع إلى الإحسان بدافع من طبعه لما به من السخاء ومحبة الخير والزلفى وصنف لا يندفع إليه من تلقاء نفسه ولكن بدافع الإلزام والجبر وخوف العقوبة فلم يجعل الإسلام المؤاساة كلها اختيارية لئلا يحرم المحتاجون مؤاساة فريق كثير من الناس ولم يجعلها واجبة لئلا يحرم المؤمنون فضيلة السخاء بالوقوف عند الواجب لأن الاعتياد بالاقتصار على الواجب ينسي النفوس طلب زيادة الثواب فلعل كثيرا من النفوس لا تنتبه إلى المؤاساة بما يزيد على أداء الواجب ولئلا يرتفع الإحسان والفضل بين المؤمنين بل يدومان ببذل الباذلين معروفهم عن اختيار منهم وبتلقي المعروف من المبذول إليهم فيحصل بذلك للفريقين تآلف وتواد وقد قال تعالى [ولا تنسوا الفضل بينكم] ويبين الشيخ ابن عاشور آداب المؤاساة وما ينبغي أن يصحبها من خلق رضي وإخلاص وتجرد حتى لا ترد على القائم بها سمعة ورياء مبينا أن الإسلام لم يمهل في هذا المجال المتلقي حيث شدد النكير على من ليس بحاجة ويأبى إلا إن يسال الناس وعدد بعد ذلك أصناف المؤاساة الجبرية فإذا هي الزكاة والصدقات الواجبة والنفقات الواجبة والعتاقة الواجبة والنفقات الواجبة وهي نفقة الزوجة ونفقة الأبوين الفقيرين ونفقة الأولاد الصغار والعتاقة الواجبة عتاقة الكفارات والكتابة عند من يقول بوجوبها. وأما المؤاساة الاختيارية فأشهرها الصدقة ومنها الهبة ومنها العارية وهي إسلاف الأشياء غير النقدين للانتفاع بها مدة ومنها العرية وهي إعطاء ثمر شجرات معينة من جنان معين ومنها الإسكان ومنها الاخدام أي إعطاء منفعة العبد للخدمة ومنها المنحة وهي إعطاء منفعة حلب الحيوان ومنها الإرفاق وما كان في الجوار](2) ولقد دعت إلى المؤاساة الاختيارية في مختلف ميادينها آيات قرآنية وأحاديث نبوية وعدت بعظيم الأجر وجزيل الثواب وهذه المؤاساة الاختيارية أو ما اصطلح عليه بالصدقات تمتد من القليل [اتقوا النار ولو بشق ثمرة] إلى الكثير الذي لا يقف عند حد فكل ما زاد على الحاجة يدخل ضمن الأمر الإلهي بالعفو الذي جاء جوابا عن السؤال [يسألونك ماذا ينفقون قل العفو]. غير أن ما ينفقه المسلم ينبغي أن يكون طيبا وأن يكون من أحسن ما يملك وأن يكون خاليا من كل منّ وأذى يقول جلّ من قائل [يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه] (البقرة 267). ويقول [وما تنفقوا من خير يوف إليكم وانتم لا تظلمون] (البقرة 272) ويقول [يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رياء الناس](البقرة 264) فمن انفق من حلال طيب ولم يتبع إنفاقه منّا وأذى فإن الله يخلف له ما انفق [وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين] (البقرة 272) وثواب إنفاقه يكون أضعافا مضاعفة [مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم] (البقرة261) ومثلما وردت آيات وأحاديث ترغب في الإنفاق وتدعو إليه وتعد بالأجر والثواب عليه جاءت آيات وأحاديث أخرى رهبت من اكتناز المال والبخل ومنع العون للمحتاجين إليه عند القدرة على ذلك منها قوله جل من قائل [والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نارا جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون] (التوبة 34 و35) وقوله تعالى [ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم] آل عمران 180. وتنفي بعض الأحاديث الإيمان عن من لم يحرك ساكنا ولم يقم بما يجب من مد يد العون والمساعدة لجاره قال عليه الصلاة والسلام [ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم به] رواه البزار. ولقد كان الانسياق وراء آيات وأحاديث الوعد بالجزاء الأوفر والأوفى في هذه الدار الدنيا وفي الدار الآخرة كبيرا وعظيما وكيف لا يكون الأمر كذلك والرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام يخبر أصحابه رضي الله عنهم ومن يأتي بعدهم بان (الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وان (الراحمين يرحمهم الرحمان ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء) وان (من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) وأن الصدقة تطفئ غضب الرب وإنها تذهب البلاء وإنها إذا كانت صلة لرحم فإنها تزيد في العمر وأنها سبب لشفاء المريض وسبيل للخروج من كل كرب وضيق وأنها أيضا من الأبواب التي يلحق منها الأجر والثواب للقائم بها حتى بعد رحيله عن هذا العالم الفاني. فقد ورد في الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها الصدقة الجارية]. ولن نقف مطولا عند تلك الأمثلة الرائعة التي ضربها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم في البذل والعطاء والصدقة والإحسان والخروج من كل أموالهم المرة تلو المرة وكلما دعت الحاجة إلى ذلك. كذلك فعل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمان بن عوف وأبو الدرداء وبذلك عرف الأنصار ونساؤهم في الرخاء وعند الشدائد بالخصوص في عام الرمادة وكلما ضاق بالمسلمين الحال لذلك ندبهم الرسول صلى الله عليه فلم يتأخروا قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وان أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله: بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعتا ما قلت واني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة افعل يا رسول الله: فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه". وعن أبي موسى الأشعرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعامهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه في إناء واحد بالسوية فهم منى وأنا منهم". وتحفل كتب السيرة والتاريخ بنماذج رائعة للبذل والعطاء والتجسيم الفعلي للتكافل بين أفراد المجتمع الإسلامي تكافل يدفعهم إليه إيمانهم ورغبتهم الصادقة في الحصول على الأجر والثواب فلقد رأى من أفاء الله عليهم من خيره وفضله في إخوانهم المحتاجين بابا من أبواب الخير فتحه الله لهم فاندفعوا يبذلون الغالي والنفيس القليل والكثير لا يبتغون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا فكان اغلب بذلهم وعطائهم سرا لا يعلمه إلا الله الذي لا تخفى عليه خافية. ولقد قام الدكتور مصطفى السباعي في كتابه القيم اشتراكية الإسلام بمحاولة استقصاء مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام فعد منها التكافل الأدبي والتكافل العلمي والتكافل السياسي والتكافل الدفاعي والتكافل الجنائي والتكافل الأخلاقي والتكافل الاقتصادي والتكافل العبادي والتكافل الحضاري والتكافل المعاشي وتحت هذا العنوان عدد الفئات التي تستحق التكافل وهم: الفقراء والمساكين والمرضى والعميان والمقعدون والشيوخ والمشردون واللقطاء واليتامى والأسرى واتبع الدكتور السباعي هؤلاء بما سماه قوانين: المساعدة والضيافة والمشاركة والمعونة والإعفاف والإسعاف والطوارئ والتعويض العائلي ثم أورد ما اعتبره موارد لهذه النفقات الواجبة فإذا هي قانون الزكاة وقانون النفقات وقانون الوقف وقانون الوصية وقانون الغنائم وقانون الركاز وقانون النذور وقانون الكفارات وقانون الأضاحي وقانون صدقات الفطر وقانون الكفاية. وقد قدم الدكتور مصطفى السباعي لهذا التقسيم والتبويب لمظاهر التضامن الاجتماعي في الإسلام أمثلة وأدلة من الكتاب والسنة والسيرة وعمل الصحابة وآثار السلف الصالح وأقوال الأئمة الفقهاء مما يمكن اعتباره تأصيلا وتنظيرا وتقعيدا لهذه الخصوصية والميزة التي قلنا إنها تبدو واضحة جلية في كل ما دعا إليه الإسلام إنها إحدى مقاصده التي إنبنى عليها تشريعه والغائص في بطون كتب التاريخ والأدب والحضارة ودواوين النوازل والفتاوي وغيرها يلمس نفسا خيريا وبعدا مستقبليا وتوجها إنسانيا حضاريا يتمثل في إنشاء المؤسسات ذات النفع العام والمتواصل الإفادة والتي نذكر منها المساجد والجوامع والمدارس والمستشفيات والخانات والفنادق للمسافرين وعابري السبيل والزوايا والتكايا ومساكن الفقراء والآبار ونقاط الماء وقد أوقف المحسنون على هذه المرافق وعلى إصلاح الطرقات ومد الجسور وتخصيص المقابر وما به يجهز الموتى ورعاية اليتامى واللقطاء وتحسين ظروف عيش المساجين وتزويج العزاب وإطعام الحيوانات والطيور أوقف المحسنون الأموال الطائلة من اجل أن تنفق في هذه الأبواب وغيرها ابتغاء للأجر والثواب ونفعا للناس أملا في أن يكونوا ممن عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله [أحب العباد إلى الله انفعهم لعباده]. واليوم والمسلمون في كل ديار الإسلام يخوضون معركة البناء والتشييد ويواجهون تحديات العولمة لابد لهم من الاستفادة من عطاءات دينهم الحنيف الذي تدعوهم آياته المحكمة ويرشدهم هدي نبيهم الكريم عليه الصلاة والسلام إلى أن يكونوا أعزة متمكنين مستخلفين في الأرض ووارثين لها (خير امة أخرجت للناس) وفي سبيل تحقيق هذه الآمال والطموحات لا بد أن تتضافر جهود جميع الأطراف بدون استثناء فالمسؤولية جماعية (وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وبدون الوعي الجماعي بهذه الحقائق فيسجد خصوم الإسلام فلولا ينفذون. (1) انظر أخلاقنا الاجتماعية لمصطفى السباعي ص44-45-46. (2) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام لسماحة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ص 137 وما بعدها.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.