معجزة الإسراء والمعراج: قراءة في حقيقة المعجزة وظروفها وبعض عبرها ودروسها

معجزة الإسراء والمعراج: قراءة في حقيقة المعجزة وظروفها وبعض عبرها ودروسها


نظرا لأهمية معجزة الإسراء والمعراج ولدقة الظرف الذي وقعت فيه وما ترتب عنها بالنسبة لمسار الرسالة المحمدية وما هي غنية به من المعاني والرموز والمرامي والعبر والدورس للأمة المحمدية في كل الأزمنة لكل ذلك نص على هذه المعجزة القرآن الكريم وقد اتخذ الإسراء اسما لسورة من سور القرآن الكريم وقبل أن نبين بعض العبر والدروس التي يمكن استخلاصها يجدر بنا ان نقف عند منزلة المعجزة في الأديان وماهيتها وأنواعها فالمعجزة كما عرفها العلماء هي (الأمر الخارق للعادة يجريه الله على يدي نبي أو رسول ولكأنه يقول صدق عبدي في ما يبلغه عني والدليل على ذلك ما اجريه على يديه) • وخرق العادة لا يستحيل عقلا والتعود بالأمر لا يعني عدم امكانية تأخره والناس لتعودهمببعض العادات وتواليها يتصور البعض منهم أنها لا يمكن ان تتاخر وهذا غير صحيح فالماء يغرق في العادة والنار تحرق في العادة وهلم جرا بالنسبة لكل ما نراه من قوانين طبيعية ولأننا نؤمن بأن وراء هذا التنظيم والتسيير والتدبير منظم مؤسس هو الله سبحانه وتعالى والذي اتصف بكل صفات الكمال والتي منها القدرة فهو لا يعجزه ان يخرق متى شاء أي قانون من القوانين التي بثها في كونه وخلقه ولأجل ذلك فعندما شاء الله سبحانه تعالى ان لا يغرق البحر سيدنا موسى عليه السلام كان الأمر كما أراد الله ولا راد لمشيئته سبحانه وتعالى وكذلك الأمر بالنسبة لسيدنا ابراهيم عليه السلام لما أراد الله نجاته قال الله لنار (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم) سورة الأنبياء ، وكذلك الأمر بالنسبة لسيدنا عيسى عليه السلام فقد أراد أعداؤه قتله وأراد الله نجاته فنجا سيدنا عيسى عليه السلام فقد أراد أعداؤه قتله وأراد الله نجاته فنجا سيدنا عيسى عليه السلام ولم يقتل ولم يصلب قال جل من قائل في حقه (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) والمعجزات كثيرة لا تحصى إذ ما من نبي أو رسول إلا وسلحه الله تبارك وتعالى بمعجزات تقيم الحجة على المتشككين والمرتابين في أمر النبوة والنبي ولا يخرج أمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن بقية الأنبياء والرسل فقد كانت له معجزات عدة منها معجزة الإسراء والمعراج ومنها انشقاق القمر ومنها خروجه للهجرة من بيت حاصرته قريش وغيرها من المعجزات ولكن المعجزة الخالدة والباقية بقاء الزمان دالة على صدق نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هي القرآن الكريم الذي تحدى السابقين ولا يزال يتحدى من اتوا بعدهم وسيأتون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين والظرف الذي وقعت فيه معجزة الإسراء والمعراج عصيب جدا بالنسبة للرسول ولمن آمن به من أصحابه الكرام رضوان الله عليهم لقد وقع الإسراء والمعراج في مكة المكرمة قبل الهجرة الى المدينة في أخريات الفترة المكية وبعد وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها وأبي طالب عم الرسول وكانا يحتلان من قلبه عليه الصلاة والسلام السويداء وكانا يمثلان بالنسبة اليه قمة الوفاء والولاء والتضحية والفداء اما السيدة خديجة فبما اوتيته من عطف ورفق وود وتصديق واندفاع للتضحية بكل ما عندها من مال وفير جاعلة كل ذلك على ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم والدين الجديد معتبرة ذلك شرفا هيأته لها الأقدار لتنال به أعلى المراتب في الدنيا والآخرة ويكفيها فخرا أنها أولى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وانها اول من آمن به من النساء وانها هي التي رزق منها الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة فاطمة الزهراء التي هي بضع من رسول الله أم الحسن والحسين والسيدة خديجة هي ام الذكور من أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي وقفت في اليوم الأول للبعثة المحمدية تهدئ من روع زوجها تقول له (والله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقرئ الضيف) ثم سارت به الى ابن عمها ورقة ابن نوفل ليقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى وما سمع أما أبو طالب عم رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو الذي وقف كالطود شامخا يحول بين أذى قريش ورسول الله ان يصل اليه مستغلا كل ما لديه من شجاعة ومهابة ومكانة لنصرة ابن أخيه مفسحا له المجال كي يبلغ دين الله لمن شرح الله صدورهم، ودون الدخول في جدل حول ايمان ابي طالب أو عدم ايمانه فإن ما أسداه هذا الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللدين الجديد لا يمكن انكاره في ظرف شديد وعصيب وفي بيئة عرفت بالجاهلية والعنهجية والغطرسة والاستعلاء ومع ذلك فان الله يأبى إلا ان يسخر لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقوف بجانبه رجلا في مكانة ووجاهة أبي طالب والله يفعل ما يشاء ولقد أنجب هذا الرجل العظيم للاسلام بطلا مغوارا هو علي ابن أبي طالب أول من أسلم من الشباب وباب مدينة العلم ومن هو في منزلته من رسول الله بمنزلة هارون من موسى فهل يتصور ظرف أصعب وأدق وأشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظرف وفاة هذين الحبيبين الى قلبه زوجته وعمه؟ يضاف الى ذلك ما قابلت به قريش صاحب الرسالة عليه السلام من أذى شديد مضيقة عليه كل السبل مانعة له ولأصحابه من كل تحرك ومع ذلك فقد صبر وصابر ورابط وجاهد ولم ييأس شعاره الذي يردده (اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون) ولأن سيدنا محمد بعثه الله للناس كافة فلا بد ان يعرض دعوته على الأباعد مثلما عرضها على الأقارب مبتدئا باهل الطائف الذين كان رد فعلهم أنكى وامر إذ أطلقوا عليه كلابهم وصبيانهم واخرجوه الى الرمضاء في اليوم الشديد الحر فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان تضرع الى ربه بدعاء خاشع هو قوله (اللهم لك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت ربي أنت رب المستضعفين الى من تكلني الى قريب ملكته أمري أم الى عدو يتجهمني ان لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ) والدارس لهذه الضراعة يلمح تفويضا مطلقا واعتمادا واضحا على الله سبحانه وتعالى ويلاحظ يأسا من المخلوق ورجاء لما بين يدي الخالق كما يلاحظ طلبا للعفو والعافية لأنها الأوسع للمخلوق الضعيف وفي هذا هدي للمسلم كي يشد بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وفيه دعوة للمسلم كي لا يتأخر عن الدعاء والضراعة الى الله فالدعاء مخ العبادة وعلامة صدق التوكل على الله ومظهر الافتقار اليه ان الدعاء سلاح المؤمن يفزع اليه كلما حز به امر والإجابة لا شك أنها ستكون سريعة فقد قال جل من قائل(أمن يجيب المضطر اذا دعاه ) وقال (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وقال (واذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعاني) ولأجل ذلك كانت الإجابة الإلهية لتلك الضراعة المعبرة عن الحالة التي بلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعة فقد وقعت معجزة الإسراء والمعراج على إثر ذلك تثبيتا لرسول الله ولمن معه من المؤمنين وتأكيدا لهم انهم بأعين الله التي لا تنام يكلِؤهم ويرعاهم وان هذا الرسول الخاتم هو قريب من ربه مكين لديه لقد جاء في ليلة الإسراء والمعراج الملك جبريل عليه السلام لسيدنا محمد ببراق وجاء معه ملكان شقا صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وغسلاه ثم صعد رسول الله على هذا البراق العجيب يقطع به المسافات في رحلة مباركة انطلقت من جوار بيت الله الحرام بمكة المكرمة قاصدة بين المقدس يقود هذه الرحلة جبريل وهي أول رحلة جوية فضائية خلد ذكرها القرآن وكان رائدها سيدنا محمد رسول الله ان في هذه الرحلة العديد من الإشارات العلمية (التي أصبحت اليوم حقائق عاشها رسول الله فشق الصدر وغسله أليست فيه إشارة مادية فضلا عن الإشارة الروحية لضرورة التزود بما يلزم لمن يروم اختراق السماوات وهو ما يعيشه اليوم رواد الفضاء مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى (من يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء) فاذا كانت القشرة الهوائية مزودة بما يجعل الانسان يتنفس ويتحرك بصورة طبيعية فان ما فوقها من آفاق وعوالم أخرى ينبغي الاستعداد لها وهذا ما تم في لحظات بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الرحلة الفضائية المحمدية ألا توحي لأمة سيدنا محمد بان النفاذ من أقطار السماوات والأرض ليس من الممنوعات على الانسان على العكس من ذلك انه مدعو الى ذلك بنص القرآن الكريم ألم يقل جل من قائل ( يا معشر الجن والإنس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان) وهذا السلطان هو سلطان العلم الذي نزل الأمر بتحصيله في أول ما نزل على رسول الله من قرآن كريم (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) سورة العلق، واكتشاف هذه المنافذ للتصعد في السماوات العلى انما يكون بالعلم وبالعلم وحده ولقد كان من الأولى ان يسبق الى ارتياد السماوات وغزو الكواكب من تنزل لهم القرآن وأرسل لهم سيد الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ووصل الركب الميمون الى بيت المقدس تلك الأرض المباركة التي شهدت تنزل الرسالات ومشى على أديم أرضها الأنبياء والرسل ثم دفنوا فيها وهناك في المسجد الأقصى (الموضع) صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء والمرسلين إماما وفي ذلك من الإشارة ما يكفي الى مكانته ومنزلته عليه السلام فهو خاتم الأنبياء والمرسلين وهو إمامهم وامته لا يمكن ان تكون الا مثله في الصدارة رائدة قائدة شاهدة على جميع الأمم وكل الناس وبدأت بعد ذلك الرحلة السماوية رحلة المعراج سماء بعد سماء في كل سماء يفتح لنبينا ويرحب به ويتمنى من في تلك السماء ان يكون من امة محمد كان الرفيق والدليل جبريل يجيب عن كل سؤال يلقى عليه من طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء فيما يتعلق بمشاهد التنعيم التي أعدت للمتقين أولئك الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله أو الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله او الذين تعلقت قلوبهم ببيوت الله او الذين لا تفتر ألسنتهم عن ذكر الله أو المتحابون في الله فيشتد سرور رسول الله ويحمد الله لأمته ويسأل لها المزيد او المشاهد المفزعة التي رآها والممثلة لأقوام يعذبون في نار جهنم فتقرض شفاههم بمقارض من نار او يعصرون او يعلقون من أرجلهم وأعضائهم وهم الذين يقولون ما لا يفعلون ويشربون الخمور ويأكلون الربا ويزنون ويسرقون فيتعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شر ما رأى ويسأل الله لأمته التخفيف والعفو ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم مفردا الى مكان لم يصله قبله ولا بعده نبي مرسل او ملك مقرب فقد توقف قبل ذلك جبريل وقال (وان منا الا له مقام معلوم لو تقدمت لاحترقت) ومن مقام القرب تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة أجمل هدية أعني بها فريضة الصلاة التي فرضت في الأول خمسين صلاة ثم خففت لتصبح خمس صلوات وثوابها ثواب الخمسين وعاد رسول الله من هذه الرحلة المباركة معززا مكرما ليقص ما عاشه في تلك الليلة الغراء ليؤمن من آمن على بينة وثبات ويكفر من يريد ان يكفر فلن يضر بكفره الله ورسوله فقد وعد الله بإتمام نوره ونصرة دينه وذلك آت عن قريب وبسرعة فقد تلاحقت الانتصارات من هجرة وبدر وفتح وكمال للدين وتمامه

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.