في الإسلام نظرية متكاملة لرعاية الطفولة

في الإسلام نظرية متكاملة لرعاية الطفولة


للطفولة في كل المجتمعات مكانة متميزة باعتبارها محط الآمال والامتداد الطبيعي المحقق لبقاء النوع البشري في هذا الكون لأجل ذلك اهتمت بها الشرائع السماوية والمذاهب الاجتماعية والحركات الإصلاحية كما مثلت دائما العمود الفقري في المخططات التنموية والتربوية والثقافية والاجتماعية في البلدان المتقدمة أو السائرة في طريق النمو وذلك تامينا لمستقبل هذه البلدان واستشرافا وتهيؤا لما يستجد في حياة تلك البلدان من مستجدات وديننا الاسلامي الحنيف في طليعة من اهتم بالطفولة واعطاها ما تستحق من عناية على المستويين المعنوي والمادي ضمانا لنشأة الطفولة نشأة متكاملة متوازنة أساسها التجذر الصحيح والمواكبة الواعية والايجابية لتطور الحياة ولقد أثبتت التجارب والأيام مبررات هذا الاهتمام من طرف الإسلام بمسألة الطفولة من مختلف جوانبها وذلك باعتبار أطفال اليوم هم رجال ونساء الغد فكما ننحت هؤلاء الأطفال ونكونهم اليوم يكون مجتمعنا غدا وذلك بالضبط هو مؤدى الحديث النبوي الشريف الذي يحمل الآباء والأمهات المسؤولية الكاملة عما يصدر عن أبنائهم من مواقف وتصرفات لن يحيدوا عنها في مستقبل حياتهم فقد قال رسول الله (يولد الولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) والفطرة هي النقاوة والطهارة والسلامة فطرة الله التي فطر الناس عليها وهذا هو المعنى الذي أشار إليه الشاعر الحكيم بقوله: وينش ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبواه ويذهب الإسلام الى أبعد من ذلك مدى عندما يأخذ بيد المسلم أو المسلمة المقدم أو المقدمة على الزواج الذي ينتج عنه ومنه في الغالب أطفال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ويحذر من الاغترار بالمغريات الكاذبة والزائلة كالجمال مثلا حيث يقول عليه الصلاة والسلام (إياكم وخضراء الدمن وهي المرأة الحسناء في منبت السوء)، وكعادة الإسلام دائما في تحميل كل طرف مسؤوليته قال رسول الله موجها خطابه للآباء والأمهات عندما يتقدم إليهم خاطب لابنتهم (إذا جاءكم من ترضون دينه وامانته فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير) والإنجاب في الإسلام ليس غاية في حد ذاته إنما الذي يطلبه الإسلام من المسلم والمسلمة أن ينجبا وتلك نعمة من نعم الله على الانسان حيث يقول جل من قائل( الله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) النحل ينجبا صالحا قويا لا يكون عالة فالمباهاة الواردة في أحد الأحاديث التي كثيرا ما يحتج به لتبرير الإكثار من التناسل لا تكون بالضعاف والعالة والغثاء الذين هم كغثاء السيل كما ورد في حديث آخر وإنما تكون المباهاة بنشء قوي صالح يعيش عصره قد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة العيال وقلة المال فإذا نزل المولود الجديد من بطن أمه الى هذا العالم بدأت مرحلة أولى من مراحل العناية والرعاية الواجبة على الوالدين ألا وهي حق الرضاعة للمولود الجديد على أمه يقول جل من قائل (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فبعد أن تحملت الأم المسكينة آلام الحمل المبرحة التي تزداد كل يوم شدة إلى أن تصل إلى أوجها بالوضع ينبغي عليها أن ترضع هذا المولود ولقد ثبت اليوم طبيا ما يتحقق لجسم المولود الذي ترضعه أمه من لبنها من حصانة وقوة لا يعوضها أي نوع من أنواع المستحضرات اللبنية المتطورة فضلا عما يحققه ذلك الضم الى الصدر من طرف الأم لمولودها من تقوية للحمة الود والحب المتبادل بينهما ولأجل أتعاب وتضحيات الرضاع وآلام الحمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف حول الكعبة بأمه وهي على عنقه قائلا هل أديتها حقها يا رسول الله؟ قال له عليه الصلاة والسلام: كلا لم تؤد ولو حق طلقة. وقال عليه الصلاة والسلام لمن سأله: من أولى الناس بحسن صحبتي يا رسول الله؟ قال له عليه الصلاة والسلام: أمك ثم أمك ثم أمك ومن حق المولود على أبويه أن يحسنا اختيار اسمه لأن هذا الاسم هو الذي سيظل ملازما له طيلة حياته ولأجل ذلك وجب على الأبوين ان يتجنبا من الأسماء ما يمكن أن يتسبب لبنهما أو لابنتهما في مركبات أو عقد تحطم معنوياتهما وتزعزع شخصيتهما وخير الأسماء ما عبد وحمد كما ورد في الحديث الشريف ولقد أمات الإسلام عادة جاهلية بغيضة وخلقا سيئا كان سائدا قبل الإسلام ألا هو عدم الاحتفاء بإنجاب البنات ومقابلة مثل هذا القدر الإلهي بالتبرم الذي يصل الى حد ارتكاب أنكر الجرائم وأبشعها في حق البنات بحيث يصل الأمر ببعض الآباء الى وأد بناتهم لغير ذنب ارتكبته قال الله تعالى (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت؟ )التكوير ولقد صور القرآن بأبلغ عبارة وأدقها تلك الحالة التي لا موجب لها والتي تعتري الآباء بمجرد أن يبشر الواحد منهم بأنثى، فهو يتوارى من الناس، وهو كظيم مسود الوجه تساوره الأفكار الشيطانية الإجرامية يبقى في حالة تردد بين أمرين احلاهما مر أي مسك هذا المولود الأنثى على هون أم يدسه في التراب؟ ألا ساء ما يصنعون ويفعلون ويقترفون ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم البنين والبنات ولكن لم تبق على قيد الحياة من بعده إلا البنات، وكان شديد الحب لهن والاحتفاء بهن وكان كثيرا ما يردد على مسامع أصحابه (أنا أبو البنات وأحب من يحب البنات) وقد بشر عليه الصلاة والسلام (من يرزقه الله بنتين فيحسن تربيتهما ويقوم عليهما أحسن قيام إلى أن يزوجهما بدخول الجنة) وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بناته وبالخصوص فاطمة الزهراء وابنيها الحسن والحسين هي خير نموذج يقتدي به المسلمون في سيرتهم مع بناتهم وأبنائهم فكتب السيرة تحدثنا أن رسول الله كان إذا رأى ابنته فاطمة مقبلة نحوه يقوم لها من مجلسه ويقبل يدها وكذلك كان يفعل مع ابنيه الحسن والحسين الذين كان ينزل من أجلهما من فوق المنبر ويحتضنهما ويتم بهما خطبته على مرأى ومسمع أصحابه ولا يخفى ما في هذا الصنيع من التلقين العملي لكيفية التعامل مع الأبناء والبنات وكان إذا صلى عليه السلام لنفسه وأحس بالحسن أو الحسين على ظهره أطال من أجلهما السجود حتى تتم فرحتهما وفي مقابل ذلك نجده عليه الصلاة والسلام يخفف صلاته إذا سمع عويل طفل وذلك تقديرا لحالة أمه أو أبيه المحبوسين بالصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية ورعاية الأبناء شامل فها هو ذا عليه الصلاة والسلام يرشد المسلم الى الإنفاق على الأبناء والتوسع فيه حيث يقول عليه الصلاة والسلام (أفضل النفقة ما ينفق الرجل على أولاده) وينهى عليه الصلاة والسلام أحد الصحابة عن التصدق بكل ماله أو نصف ماله جاعلا هذه الصدقة لا تتجاوز ثلث المال قائلا لئن يترك أحدكم ورثته أغنياء أفضل من أن يتركهم فقراء يسألون الناس كما ان الرسول عليه الصلاة والسلام نهى الآباء والأمهات عن التمييز بين الأبناء ودعا الى العدل بينهم في كل شيء نظرا لما يورثه ذلك الصنيع من عداوة وبغضاء وكراهية، فقد أراد أحد أصحابه أن يشهده على منحة أراد أن يخص بها أحد أولاده على حساب الآخرين ذكورا كانوا أم إناثا فقال عليه الصلاة والسلام: ساووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا على أحد في العطية لفضلت النساء واعتبر الرسول عليه الصلاة والسلام ان الشهادة على تمييز أحد الأبناء على اخوته في عطية بأنها شهادة على جور وذلك عندما سأل صاحبه الذي أراد أن يشهده فهل أعطيت جميع أولادك مثل ما أعطيت؟هذا قال له: لا فقال عليه الصلاة والسلام: لا تشهدني فإني لا أحب أن أشهد على جور وضمانا للرعاية المتواصلة للأطفال سواء كانت العلاقة بين الأبوين موصولة أو مقطوعة فقد أعطى الإسلام الأم أولوية الحضانة نظرا لما جبلت عليه من رأفة ورقة وحنو فقد جاءت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله: ان ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وان أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله أنت أحق به ما لم تتزوجي ويحمل الإسلام الآباء والأمهات المسؤولية كاملة في الرعاية الشاملة للأطفال تلك الرعاية التي تتجاوز الناحية المادية الجسمانية التي أشرنا إلى بعض هدي الإسلام فيها الى الناحية الروحية والمعنوية والتربوية والأخلاقية من ذلك ما ورد في كتاب الله العزيز من وعيد شديد من جراء إهمال تربية الأبناء تربية صالحة أساسها التقوى وخشية الله حيث يقول جل من قائل (قو أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) التحريم ويعرض علينا القرآن الكريم في سورة لقمان وعلى لسانه منهجا قويما للتربية الدينية والأخلاقية النموذجية حيث ورد على لسانه قول الله تعالى (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين ان اشكر لي ولوالديك والي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون، يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير، يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه على المنكر واصبر على ما أصاب كان ذلك من عزم الأمور ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) . سورة لقمان لقد اشتملت وصايا لقمان على أسس التربية السليمة الصالحة لكل البيئات والأزمات ومنها ومن هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام توجيهه النير يمكن للآباء والأمهات أن يستلهموا المنهج القويم لتربية أبنائهم، والأمر بالصلاة الوارد في هذه الوصايا أكد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (مورا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع) ولا يخفى علىى أحد ما في نشأة الأبناء والبنات على أداء الصلوات من تربية قويمة على حب الخير وفعله وكراهية الشر واجتنابه فالصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي التي تقوي في الطفل وازع الخير ولا شك أن تلقين الأبناء السلوك الحميد والكلام الطيب له من الأثر الكبير ما لا ندركه إلا بعد حين عندما يصبح هؤلاء الأطفال كبارا، ولأجل ذلك أولى رسول الله الأطفال عناية كبرى فخصهم بالتوجيه من ذلك قوله لغلام يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك) كما علم عليه الصلاة والسلام ابن عباس الذي دعا له وهو طفل صغير بقوله (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فقال له ولكل أطفال المسلمين (تعال أعلمك كلمات: إذا طلبت فاطلب الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم لو ان الانس والجن اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد قدره الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام جفت الصحف) وبهذه الوصايا النبوية الخالدة المركزة لأسس الايمان الصحيح نشأ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إذ سرعان ما أصبح بالتزامه بما أوصاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وببركة ما دعا به له حبرا وعالما جليلا يجلس مجالس كبار الصحابة ويبرز بينهم ويؤكد رسول الله عليه الصلاة والسلام على القدوة وإعطاء النموذج الأمثل في السلوك والقول من طرف الآباء والأمهات فعن عبد الله بن عامر قال(زارنا رسول الله في بيتنا وأنا صبي صغير فقالت لي أمي: يا عبد الله تعال أعطيك فقال رسول الله: ماذا ستعطيه يا أم عبد الله؟ فقالت أردت ان أعطيه تمرا فقال لها: لو لم تعطه لكتبت عليك كذبة) وعندما وجد أحد الصحابة رسول الله يقبل بنيه قال متعجبا: أتقبلون الأبناء؟ ولهذا الصحابي عشرة من الأبناء ما قبل واحدا منهم قال له رسول الله (ماذا تريد مني أن أفعل إذا كان الله قد نزع من قلبك الرحمة من لا يرحم لا يرحم) وقد جعل رسول الله من أسباب الخروج عن دائرة الاقتداء والاتباع لرسول الله عدم رحمة الصغار حيث قال (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) وجسم رسول الله هذه الرحمة على أطفال المسلمين وبالخصوص الأيتام والمصابين منهم إذ نجده كثيرا ما يحتضن اليتيم ويضمه الى صدره ويقول له: (ألا يرضيك أن أكون لك أبا فيفرح ذلك اليتيم ويذهب حزنه)



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.