بـــر الوالـــديــن خطبة جمعية ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع مقرين العليا

بـــر الوالـــديــن خطبة جمعية ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع مقرين العليا


الحمد لله رب العالمين أعلى درجات المؤمنين ووعدهم بسكنى جناب النعيم وتوعد الكافرين الضالين وأعد لهم جهنم وبئس المصير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين أما بعد أيها المسلمون نواصل الحديث عن الأسرة في ظل الاسلام فبعد أن فصلنا القول في موضوع الزواج وبينا شروطه وأركانه نأتي اليوم إلى حقوق الآباء والأبناء إن الاسلام أولى هذا الموضوع ما يستحق من العناية والاهتمام وقضى الاسلام على التفكك العائلي وصراع الأجيال والتطاحن، قضى على كل ذلك. قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا، ربكم أعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فانه كان للأوابين غفورا) صدق الله العظيم بدأت الآية بقوله تبارك وتعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) يعني حكم ربك وهو أحكم الحاكمين، وأعدل الحاكمين، حكم ألا تعبدوا إلا إياه، أي لا تعبدوا إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد سبحانه وتعالى واذا سار المسلم في حياته على هذا النسق والتوجيه ولم يعبد إلا الله ولم يشرك به شيئا أحرز على الخير العميم في هذه الدار وفي الدار الآخرة لأنه سبحانه وعد بغفران ما سوى الشرك (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وتخصيص الله سبحانه وتعالى بالعبودية والخضوع ينشئ في الانسان المسلم عزة واستعلاء واستغناء وشجاعة وأمنا وطمأنينة، لأنه عندما ترسخ عقيدة التوحيد في قلبه يتيقن أنه لا نافع إلا الله ولا مميت إلا الله ولا رزاق إلا الله وجماع كل ذلك الحديث الشريف الذي نصح فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (كن مع الله يكن الله معك... اذا استعنت فاستعن بالله ... واعلم ان ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك) فاذا تركزت عقيدة التوحيد الخالص في نفوس المؤمنين صلح سائر عملهم وأذعنوا وأسلموا لأحكام رب العالمين الذي قال (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) بعد قضائه سبحانه وتعالى بإفراده بالعبودية قال (وبالوالدين إحسانا) أكرم به من مقام ومنزلة تأتي بعد توحيد المولى وتخصيصه بالعبادة مقدم على كل صنوف الخير والبر، وهنا لطيفة لا بد من الإشارة إليها وهي ان الله سبحانه وتعالى قدم الوالدين على الإحسان الذي أورده نكرة والنكرة كما يقول علماء اللغة تفيد التعظيم، فتقديمه للوالدين تعظيم لهما ولمقامهما وايراد كلمة إحسانا نكرة تقديره قولك وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وأحسنوا بالوالدين إحسانا. ولقد جاءت هذه الآية والتي تليها بعد قول الله تبارك وتعالى (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) بعدها مباشرة تأتي الآية التي نحن بصدد تفسيرها كأنما هي تشير إلى أن السعي المشكور هو الذي تحدده الآية اللاحقة وهي قوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا). والإحسان يشمل كل وجوه البر: من قول وفعل وتصرف. وحكم المولى سبحانه وتعالى ببر الوالدين وليس أحدهما دون الآخر. قضى ببرهما والإحسان إليهما ويدخل في الإحسان نفقتهما وصلة رحمهما والبشر في وجههما وإكرام ضيفيهما واستشارتهما وتحقيق رغباتهما وطلب الدعاء منهما والذل لهما. وتأتي الآية بعد ذلك إلى التفصيل فيقول الله سبحانه وتعالى (اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما) معنى ذلك أنهما يبلغان إلى حالة من الضعف والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر ضعيفا صغيرا لا تفقه شيئا ولا تقدر على شيء فلا تقل لهما عند ذلك وقبل ذلك أف ولا تنهرهما. لا تقل لهما ما أكثر وما أقل من الأف ولا تسبهما ولا تنهرهما ولا تكشر في وجهيهما. فلقد رحماك وربياك وعطفا عليك عندما كنت صغيرا وأحاطاك بكل صنوف الرعاية عندما كنت طفلا أيجوز لك اليوم وقد صرت رجلا قويا أن تتنكر لهما وتنسى جميلهما وتقابله بالإنكار والتناسي؟ ولا يفعل هذا ولا شك إلا جحود ناكر جميل. ومن يفعل هذا الصنيع مع والديه لا يمكن أن ينتظر منه المجتمع خيرا يذكر. ثم يقول تعالى (وقل لهما قولا كريما) والقول الكريم هو القول الجميل الكلمة الطيبة التي تدخل على القلوب البشر والمسرة والفرحة. وبعد ذلك يتواصل التوجيه الإلهي (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) إن خفضك لجناح الذل لهما لا يفسر إلا بالرحمة والود والاعتراف بالجميل لأنهما من الضعف بحيث لا يمكن لهما أن يضراك أو يمساك بسوء فخفضك جناح الذل لهما هو رحمة بهما وشفقة عليهما وجبر لخاطرهما وسعى للإحراز على مرضاتهما وطلب لدعائهما. فالمسألة إذا رمزية أكثر منها فعلية فلن تخسر شيئا عندما تخاطبهما بلسان رطب ولهجة لطيفة وكلمات عذبة تشعرهما بها أنهما لم يفقدا وزنهما لدينا وأنهما لا يزالان يحتلان تلك المكانة والقيمة التي كانت لهما عندما كانا في ريعان الشباب. إن ذلك تطمين لهما وجبر لخاطرهما وجهنا الإسلام إليه لعلم المولى سبحانه وتعالى انه لا يمكن أن يسود العائلة جو من المحبة والتراحم إلا إذا أتوا بمثل هذه التصرفات. وبعد ذلك يعقب الله على هذه الآية الجامعة بقوله جل من قائل (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فانه كان للأوابين غفورا) صدق الله العظيم أجل الله هو وحده العالم بما في نفوسنا لأنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور لا يغتر بالمظاهر والشكليات إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم التي في صدوركم فان كنا من الأوابين التوابين فإنه سبحانه وتعالى سيكون لنا غفورا وبنا رحيما. هذه عباد الله المسلمين توجيهات الاسلام في تنظيم علاقة الأبناء بوالديهم لتكون العلاقة قوامها المودة والرحمة والإشفاق وحتى يتجنب المجتمع الاسلامي المصير الأقتم والحالة المؤسفة المحزنة، التي تعيشها المجتمعات المادية حيث يقيم الانسان انتاجه وتطغى المقاييس المادية على أي مقياس آخر. انهم في أوروبا اذا بلغ الأب والأم مرحلة من العجز والضعف عوض الرأفة به ومداومة الإحسان إليه فإنهم ينقلونه من بيته إلى مأوى العجز وينتظرون بفارغ الصبر موعد رحيله عن هذا العالم ليتقاسموا ما ترك. وما صراع الأجيال والتفكك الأسري والقطيعة الكلية بين الوالدين وأبنائهما إلا نتيجة تربية وتصرفات وانحرافات اجتثها الإسلام من جذورها الآباء والأمهات مسؤولون عن تربية أبنائهم وتعريفهم بواجباتهم وتبليغ الايمان بالله اليهم والتصرف معهم وفق توجيهات السماء والأبناء اذا تلقوا هذه التوجيهات السامية سوف لن يتنكروا في كبرهم لآبائهم وأمهاتهم.لكن مع الأسف الشديد لقد صرنا اليوم نرى في العائلة الواحدة التناحر والتشاجر فالوالد مغلوب على أمره قابع في ركن بيته والأم مثله أما البنات والأبناء فإنهم ينظرون إلى طريقة وتفكير والديهم بازدراء واحتقار فهم يحبون الرقص والشعور الطويلة واللباس القصيرة واللغات الأجنبية والأذواق الغربية ويقف الوالد والوالدة حجر عثرة في وجه هذا التيار الجارف ولكن سرعان ما يجتاحهما ويتركهما قابعين في البيت. وهكذا انهارت القيم وذهب الحياء والتقدير والاحترام وحل محله النفاق والخداع كل ذلك لأن التربية الإسلامية ضعيفة في الأسرة فماذا ننتظر من شباب لم يعرف حقيقة دينه، لم يعرف واجباته وحقوقه؟ فسارعوا عباد الله المسلمين إلى تلافي هذا الأمر ونشؤوا أبناءكم تنشأة اسلامية وحفظوهم كلام رب العالمين.وهذا خير ما يختم به الكلام كلام مولانا العزيز أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلى المصير وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون) صدق الله العظيم



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.