من احكام الجمعة وحكمها

من احكام الجمعة وحكمها


صلاة الجمعة هي صلاة مخصوصة يجمع بينها وبين بقية الصلوات الاشتراك في كونها صلاة والصلاة هي عماد الدين وقوامه وهي مظهر الطاعة والانصياع وبرهان على صدق الإيمان وهي التي تدخل القائم بها إلى صفوف أهل الإيمان ولكن صلاة الجمعة تختلف عن الصلوات الخمس انها صلاة تقام في يوم مخصوص وفي مكان معلوم وبكيفية معينة والجماعة شرط فيها يقول الله تبارك وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) صدق الله العظيم الجمعة ولكل دين من الأديان السماوية يوم معين يتوجه فيه الأتباع إلى الله بالتعبد والصلاة فلليهود يوم مخصوص هو السبت وللنصارى يوم مخصوص هو يوم الأحد وللمسلمين يوم مخصوص هو يوم الجمعة ولا يفهم من هذا أن الإسلام يخص يوما من أيام الأسبوع للطاعة والعبادة والتقرب إلى الله فلا يشتغل فيه المسلم بغير ذلك ثم يترك للمسلم حرية التصرف في بقية أيام الأسبوع يحرم عليه في يوم الجمعة كل شيء ويبيح له في بقية الأيام كل شيء إن المسلم دائم الطاعة لربه المسلم لا يغفل عن طاعة ربه وذكره في أي يوم من الأيام ولا يجوز للمسلم معصية ربه في أي يوم من الأيام إذ لا توجد في الاسلام أيام معصية ولهو وعبث ومجون ويوم طاعة وتقرب إلى الله واستغفار من الذنوب والخطايا فكل أيام الأسبوع والشهر والسنة والعمر أيام طاعة وتقرب إلى الله فالله الذي يعبده المسلم حي دائم باق حاضر لا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء وحياة المسلم منذ اللحظة الأولى التي ينزل فيها إلى هذا العالم إلى اللحظة الأخيرة التي يغادره فيها هي توجه للذي فطر السماوات والأرض وطاعة وتسليم مطلق له سبحانه وتعالى اذ حياة المسلم كلها لله وابتغاء لمرضاته (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام تتوالى الأيام وتتفاضل عند الله فيما بينها ولكن الفضل مقدار مشترك بينها جميعا فإذا ما فرض الله على المسلمين القادرين البالغين المقيمين الأحرار السعي يوم الجمعة إلى بيوت الله لآداء صلاة الجمعة وترك ما بين أيديهم من الأعمال والمشاغل فلأجل تقوية ايمانهم وشحذ هممهم فالايمان يبلى كما يبلى الثوب وسبيل تجديده وتقويته وشحذه انما يكون بالتلاقي بين المؤمنين والاجتماع على صعيد البر والتقوى في أقدس الأماكن بيوت الله العامرة بذكره لأجل ذلك وتحقيقا لمصالح المؤمنين فرض الله عليهم أداء صلاة الجمعة عند ظهر يوم الجمعة وهم في اجتماعهم وتلاقيهم سيستمعون إلى موعظة تذكرهم بما لهم وما عليهم إنها موعظة وذكرى و(الذكرى تنفع المؤمنين) يستغلها من يؤم الناس ليوجههم إلى ما يرضي الله ورسوله بحكمة واتزان واخلاص تعالج الخطبة ما يجد في حياة المسلمين أفرادا وأسرا وجماعات من احداث تسلط عليها أضواء الاسلام وتوجيهاته ثم تشفع الخطبتان بآداء الصلاة ثم ينتشر المسلمون بعد ذلك وقد شحنت نفوسهم بالتقوى وتزودوا بها، إن يوم الجمعة بالنسبة للمؤمن هو أشبه ما يكون بمحطة تزود بالطاعة لمواصلة السير كما هو الشأن بالنسبة لأي محرك أن المؤمن يتزود يوم الجمعة بخير زاد (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) فبالتقوى يتحصن المسلم من الوقوع في الموبقات والمعاصي وبالتقوى يتجنب المسلم كل أفعال الشر وصنوف الضرر لنفسه ولغيره من الناس وان ما يحقق التقوى ويساعد عليها الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وفي سعي الانسان في هذه الحياة وتوجهه الى ربه محتاج شديد الاحتياج إلى مثل هذه الوقفات إنها وقفات يومية في الصلوات الخمس ووقفة أسبوعية جماعية يوم الجمعة أثناء أداء صلاة الجمعة (أركان الاسلام تسعى إلى ربط الناس ببعضهم البعض) إن الاسلام بما فرضه على المسلم من فرائض كالصوم والزكاة والحج والصلاة تظهر فيها السمة الجماعية والسعي الدائم الجاد لربط الناس ببعضهم البعض وجعلهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه البعض وكالجسد الواحد الذي يتداعى كل أعضائه بالسهر والحمى عند إصابة أي عضو فيه إن الاسلام يحارب النزعة الأنانية الانعزالية الانطوائية في الانسان ويريده ان يكون اجتماعيا يأخذ ويعطي ويفيد ويستفيد ويتفاعل مع المحيط الذي يعيش فيه ولا يكتفي الاسلام بمجرد الدعوة إلى تحقيق هذا الهدف النبيل بل اننا نلاحظ في كل ما فرض الله تبارك وتعالى على المسلم السعي الجاد والفعلي المادي لتحقيق التلاحم الاجتماعي والتضامن الفعلي والتحابب الصادق المخلص الذي لا تشوبه شائبة ولا يكون الأمر كذلك إلا إذا كان رائد الجميع الإحراز على مرضاة الله الذي لا تغره المظاهر والأشكال إنما ينظر إلى القلوب والسرائر ويقوم على اساسها كل ما يأتيه المسلم من تصرفات ولذلك أوجب الله على عباده المؤمنين أن يتركوا ما بين أيديهم مما يمكن أن يشغلهم عن طاعة الله فيسعوا الى ذكر الله الذي هو حضور الجمعة وأداؤها يترك المسلم البيع والشراء وكل ما يشغل عن أداء الصلاة لأن في ذلك الخير كل الخير له وللمجموعة التي يعايشها حتى إن فاته في ذلك الوقت القصير الذي يكون فيه مشغولا بالصلاة في المسجد ربح ضئيل فإن الله لا يبارك في أرباح انجرت عن معصية ومخالفة لأمر الله والانسان العاقل البصير يدرك هذه الخيرية في ما يراه في حياته من توفيق وستر وعافية ورعاية وعناية الهية يلاحظها في كل ما يأتيه ويدعه فمن حق الله على عباده أن يخصوه بالاشتغال ساعة أو بعض ساعة من الأسبوع بأيامه ولياليه وساعاته الطويلة، فالذي يطيعه الانسان المسلم ويسعى إلى اداء ما فرض عليه يوم الجمعة هو خالق الانسان وبارئه ومصوره ومنشئه من العدم ورازقه وحافظه وهاديه ومسخر كل شيء إليه سبحانه وتعالى أفيستكثر بعد ذلك عبد عاقل سعيه إلى بيت الله يوم الجمعة وتركه للبيع والشراء وغيره مما يشغل عن أداء هذا الواجب؟ فإذا قضى المسلم صلاته فلينتشر في الأرض وليبتغ من فضل الله الواسع عملا وكدا وسعيا من أجل الربح الحلال وإطعام العيال وتحقيق الكفاف الذي يغني عن مذلة المسألة والتسول (لا وجه للبقاء في المسجد بعد آداء الصلاة) إن الاسلام دين الدنيا والآخرة والعقل والروح والعاجل والآجل فلا وجه بعد أداء صلاة الجمعة للبقاء في المسجد بل الواجب يفرض على المسلم ان يشمر على الساعدين ويسعى في فجاج الأرض من أجل تحقيق سعادته المادية بعد ان حقق الراحة والطمأنينة بما أداه من صلوات إن فضل الله واسع وما عنده لا ينفد ولا ينتهي فإذا ما توكل العبد على ربه حق التوكل فإن الله يرزقه ويعطيه من حيث لا يحتسب ويبارك له فيما بين يديه ذلك هو التوكل الحقيقي الذي يتناقض مع التواكل وترك الأخذ بالأسباب والاعتماد على الغير: وانتظار الرفد والمعونة من الساعين في الأرض، وهذا السعي في الأرض ينبغي إن يكون دائما في إطار من ذكر الله، ذكر اللسان وذكر الحال واذا كان الغالب على العبد ذكر ربه وتذكر نعمه وأفضاله فإن هذا العبد هو من السعداء حقا وممن أراد الله بهم خيرا ومن ذوي القلوب العامرة الحية، ومن كان هذا حاله فإنه إن شاء الله يكون من المفلحين (جوائز أعدها الله للمسلمين يوم الجمعة) ولقد جعل الله للسلم في يوم الجمعة جوائز وغايات تتحقق له جزاء سعيه إلى ذكر الله وطاعته لربه وابتغائه للذي يبقى ويخلد واعراضه عن الذي يزول ولا يدوم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم والمسلم بشر يخطئ ويأتي السيئات والخطايا لكن ربه غفور رحيم حليم يغفر لمن يستغفره ويقبل لمن يقبل عليه فإذا ما اعترف العبد بخطأه وقصد باب مولاه بخضوع وإنابة ولم يترك للشيطان عليه سلطانا فإن الله يجازيه بتكفير ما أتى وارتكب من سيئات وفي حديث آخر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وانصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى لغا) رواه مسلم (لا بد من اتيان الجمعة مستوفية لأركانها وشروطها) فإن الجمعة التي تغفر بها الخطايا والذنوب التي يأتيها المسلم انما هي الجمعة المستوفية لشروطها وأركانها وأركانها هي الوضوء الحسن الصحيح الذي تتطاير معه الخطايا والسيئات وتذهب كما تذهب اوراق الخريف ثم الاستماع بالأذن والقلب إلى ما يقال ولكن الحاضر بجسده فقط المشتغل بغير ما يقرب إلى الله من قول أو فعل أو حركة أو التفاتة أو حصى يلقيه أو يلعب به و يشتغل به يفوته غفران خطاياه ولا يكون له من سعيه إلى الجمعة إلا المشقة والتعب والغاية من كل القربات هو تحقيق صدق التوجه إلى الله وحرارة المناجاة واستجابة الدعوات وفي يوم الجمعة ساعة يستجاب فيها الدعاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه وأشار بيده يقللها) رواه البخاري ومسلم (التحذير من التهاون بالجمعة وترك السعي اليها) ولقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم المتقاعسين والمتخلفين عن آداء صلاة الجمعة بالوعيد الشديد حيث يقول عليه الصلاة والسلام (لينتهين أقوام عن ودعهم (تركهم) الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه مسلم فنتيجة التكاسل والإهمال والتهوين من شأن أداء صلاة الجمعة منزلق خطير العواقب إن مآل المتكاسلين أن يختم الله على قلوبهم فيكونوا من الغافلين الهالكين والتكاسل تدريجي والاستهانة تبدو بسيطة ما ضرّ الانسان لو تخلف لغير عذر مرة !! هكذا يفتح الشيطان عدو الانسان المعاذير والمبررات وبعد الجمعة جمعتان ثم ثلاثة إلى ان يستحق هذا المتخلف الغافل إن يكون ممن عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (من ترك ثلاث جمعات تهاونا طبع الله على قلبه) رواه أبو داود والنسائي والترمذي ولقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بالمحافظة على الجمعة في كل أحوالهم لأنها سبيل من سبل قوتهم وعزتهم وتحقيق مرضاة ربهم عليهم فإذا تهاونوا بها وتركوها خالفوا أوامره ومراده منهم واستحقوا عقابه وعذابه فقد روى جابر رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس توبوا إلى الله قبل ان تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بيتكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا واعلموا ان الله افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا من عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها في حياتي أو بعدي وله امام عادل أو جائر استخفافا بها وجحودا بها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له الا ولا زكاة له ألا ولا حج له ولا صوم له ولا بر له حتى يتوب فمن تاب تاب الله عليه) رواه ابن ماجة هكذا يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية صلاة الجمعة ووجوب آدائها على المسلم القادر المقيم ومن تقاعس فإنه يعرض نفسه إلى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بتبديد الشمل وزوال البركة من كل أموره ثم إتيان تقاعسه وتكاسله واستخفافه على كل ما يأتيه من طاعات وقربات: صلاة أو صياما أو زكاة أو حجا (من آداب الجمعة) ويستحب للمسلم أن يتأدب بمجموعة من الآداب التي ترفع من شأن عمله وتجعله مقبولا عند ربه من ذلك كراهية تخطي الرقاب فقد روى انس بن مالك رضي الله عنهما قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء رجل يتخطى رقاب الناس حتى جلس قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال ما منعك يا فلان أن تجمع معنا قال يا رسول الله لقد حرصت أن أضع نفسي بالمكان الذي ترى قال قد رأيتك تتخطى رقاب الناس وتؤذيهم من آذى مسلما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل رواه الطبراني وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم الذين يحضرون صلاة الجمعة إلى أقسام حيث قال (يحضر الجمعة ثلاثة نفر فرجل حضرها يلغو فذلك حظه منها ورجل حضرها بدعاء فهذا رجل دعا الله إن شاء أعطاه وان شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك ان الله يقول من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها) رواه أبو داود وفي حديث آخر يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكانما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه مالك والبخاري ومسلم ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء الجمعة فليغتسل وان كان طيبا فليمس منه وعليكم بالسواك) وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الغسل يوم الجمعة ليسل الخطايا من أصول الشعر استلالا) رواه الطبراني

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.