تعطيل الإنسان لأي جانب من جوانب شخصيته وأد وإجرام

تعطيل الإنسان لأي جانب من جوانب شخصيته وأد وإجرام


في جوانب شخصية الانسان أجزاء معنوية لا يقل أثرها فيه وارتباطها به عن ارتباط أجزاء جسمه واننا لنلحظ في أجسامنا طغيان بعض الجوارح عن بعض حتى يصبح ذلك البعض معطلا أو كالمعطل والأمر كذلك بالنسبة لأجزاء الشخصية وجوانبها ويتمايز الناس ويتفاضلون في إتقان عملية التعديل والموازنة فأيهم كان أقدر على ذلك كان أحرى بالفضل وأجدر بالشكر لأننا نعلم علم اليقين أن كل انسان مركب من عقل وعاطفة وحس ولكل من أجزائه الثلاثة دوره ومحيطاته وأنه لن يكون الانسان الكامل إلا إذا استغلت منه ملكاته الثلاث لتؤدي وظائفها الضرورية على أكمل وجه وأحسنه بيد أن سلطان العقل يجب أن يكون له دوره الأكبر وبيده الكلمة الأخيرة وهو الحري بالاضطلاع بدور الرئاسة لأنه سبب التكريم والتمكين. ولكن لن نصل به إلى درجة التأليه أو الدكتاتورية العمياء فنقول لا قول إلا قوله ولا حكم إلا حكمه لأن للعاطفة ميدانها التي هي من اختصاصاتها ولا يمكن أن يشاركها فيها غيرها كما لا يمكن للانسان أن يعيش بدونها ولا أن يحقق كماله مستغنيا عنها فهي التي تربط الفرد بالفرد والفرد بالجماعة وهي التي تربط الانسان بالحياة وأسباب الحياة وهي التي تغذي الوجدان وهي التي تربط هذا الانسان بأمسه البعيد وبغده الموغل في التحجب والذي لن تعرف له نهاية. واذا كانت للعاطفة هذه الاختصاصات الجمة فللإحساس ميادينه الفسيحة التي لا بد أن تستعمل فيها خبراته وان يمارس فيها حقوقه كجسم يتطلب النماء والمتعة والحياة. ومع كل هذا فإن الذي نحتاج إليه هو التعديل الحكيم والموازنة المضبوطة حتى لا يطغى منا جانب عن جانب وحتى لا نعطل رسالة أي ملكة من ملكاتنا الفطرية والمكتسبة. وان عملية التعديل والموازنة لتبدو عسيرة جدا خصوصا عند أصحاب الأمزجة الحادة الذين يتجاوز تأثرهم بالأشياء حد الاعتدال فيصبحون مصداقا لقول الشاعر وعين الرضى عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساوئ وان هذا الواقع ملموس غير أنه خطأ فادح يقع فيه جل الناس خصوصا أصحاب العواطف الجامحة الثائرة التي لا تقنع بأن تلعب دورها في الحياة فتستأثر بدور العقل وتفتك منه سيطرته ونفوذه وكم نكون سعداء وواقعيين لو طبقنا ما قاله الشاعر الآخر وللعقل عندي جانب لا أضيعه وللهو مني، وللصبابة جانب هذه لعمري استراتيجية الجوانب الشخصية في البشر وهي التي تقتضيها الحكمة وتحتمها المصلحة لأن تعطيل الانسان لأي جانب من جوانب شخصيته وأد وإجرام (وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت) واننا إذا أردنا أن نصارح أنفسنا ونقول الحق (والحق أحق أن يتبع)فلا نخجل من أن نقول، إن التعديل والموازنة يشكوان لدينا حيفا وأي حيف، و اننا إذ نبخسهما حقهما فلا نبخس إلا حقنا في الحياة السعيدة الرغيدة، ولا نجني من وراء ذلك إلا الخيبة المرة والخسارة المتكررة والغريب المدهش أن يحس الانسان بالخيبة ويلامس آثارها ويتجرع مرارتها ثم يلازم أسبابها ويأبى أن يبرح مكانها أو يصرف اتجاهه عنها. إننا لنشاهد عند أمم أخرى ليست أكثر منا ثقافة ولا ذكاء ولا تجربة هذا التمايز الحكيم بين جميع الأشياء، ونلحظ في إكبار الاعتدال في تصريف الملكات البشرية وإعطاء كل جانب من جوانب شخصياتهم ما هي في حاجة إليه وما يطلبه الواجب منها. فلا يمنع وجود الشاب منهم في الملهى عن وجوده في المعبد وعن وجوده في أي عمل إنساني وديني نبيل، إن أية عاطفة لا تميت عاطفة أخرى ولا تعطل جانبا من جوانبه العقلية والأمر يكاد يكون بالعكس تماما عندنا ويعزو كثير من الناس هذا التباين في التخلف الموروث عن عصور الانحطاط التي رزخت أمتنا في قيودها منذ عصور بعيدة ولست أرى ما يرون لأننا قد نفضنا غبار التخلف و قرأنا ما قرؤوا ودرسنا ما درسوا ووقفنا بأنفسنا على سير حياتهم ودواليب حركتهم وعاش الكثير منا معهم عشرات السنين في بلادهم وعاد إلى بلاده بأسلوب عيشهم ونمط حياتهم ولكنه لم يستطع أن يتخلص مما ركب في غرائزه ودمه، فلا بد إذا من مراعاة مسألة الأمزجة في أصول التربية ووسائل التهذيب وبذلك ندرك إن أصل خلقتنا يقتضي أن تكون الجوانب الروحية لدينا اخذة للقسط الأكبر من العناية لأن التجربة التاريخية البعيدة والقريبة أثبتت هذه المعطيات، فلم نجد لأمتنا مجدا عبر العصور بني على غير أساس روحي تغذيه العاطفة ويدفعه الشعور ومتى تداعى لديها الأساس الروحي تبلدت العواطف وضعف الشعور، وأصبح أمرها يعود شيئا فشيئا إلى التخلف والانحلال في أبشع الصور وأجلى المظاهر وإن رائد علم الاجتماع وفيلسوفه الأكبر ابن خلدون ليدافع عن هذه الحقيقة بكل حرارة ولا أخاله إلا صادقا ومحقا في ما ذهب إليه والتاريخ خير دليل على ذلك.

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.