فتوى مختارة: حكم الشرع في الأشرطة السينمائية التي تمثل ذات النبي صلى الله عليه وسلم لفضيلة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور رحمه الله

فتوى مختارة: حكم الشرع في الأشرطة السينمائية التي تمثل ذات النبي صلى الله عليه وسلم لفضيلة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور رحمه الله


الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه * وبعد فقد سئلت عن حكم الشريعة الإسلامية في إبراز أشرطة سينمائية “أفلام” تمثل ذات النبي صلى الله عليه وسلم وتسند إليه أعمالا وأقوالا مصوغة صوغا خياليا على طريقة الأقاصيص والروايات وفيها ما لم يثبت صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم. والجواب إن إبراز هذه الأفلام على الصورة التي ذكرت إن كان مشتملا على نسبة شيء للنبي صلى الله عليه وسلم مما يعد استنقاصا لمقامه أو ازدراء به أو خلافا لما يجب له من الصدق والأمانة والعصمة فان أمر منعه بين ولا إشكال في انه غير جائز وانه المنكر الذي ينبغي أن يمنع كما انه لا خلاف بين أهل العلم وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضي الله عنهم أن فاعل ذلك يقتل إجماعا. ولكن الخلاف في أن قتله حد أم كفر، والراجح انه كافر كما قال به كثير من الفقهاء وحققه القاضي عياض. وأما إذا لم يكن الفلم مشتملا على شيء من الاستنقاص لا تصريحا ولا تعريضا ولم يقصد فيه إلى شيء من ذلك فان إبرازه أمر غير لائق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا جار على ما يجب له من التعظيم والتوفيق وصون مقامه عن التشبيه والتمثيل وتحرى الصدق في كل ما ينقل عنه وينسب إليه صلى الله عليه وسلم. وبيان ذلك أن الشريط السينمائي الذي يكون على الصفة المذكورة في السؤال وليس فيه قصد الاستخفاق، يشتمل على أمرين ضروريين: الأمر الأول بروز شخص يكيف ذاته وصوته وحركاته على كيفية مصطنعة يقصد بها تصوير ذات النبي صلى الله عليه وسلم ومحاكاة صوته وتقليد حركاته على معنى أن ذلك الشخص قد صار هو النبي صلى الله عليه وسلم ادعاء وتخيلا. الأمر الثاني هو إبراز أعمال صادرة عن الشخص الممثل للنبي صلى الله عليه وسلم، على معنى أنها صادرة عن الذات النبوية الشريفة، وإجراء حوادث ووقائع على معنى أنها جرت حول الذات الطاهرة. وصدور عمل وكلام مسندين إلى النبي صلى الله عليه وسلم على معنى أنهما من عمله ومن قوله، وهي مما ابتكره تخيلا واضع الرواية التي يبنى عليها الفلم. أما الأمر الأول فلا يخفى انه تشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم وظهور لشخص غيره في مظهر ذاته وإجراء حركاته وألفاظه. ومعلوم أن ذلك يخل بما أمر الله به من اعتبار لسمو مقام النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يمثل بغيره أو يقرن بشخص سواه فضلا عن أن يدعى أن ذلك الشخص صار هو النبي صلى الله عليه وسلم في ذاته وأقواله وأفعاله جل قدره العظيم عن ذلك. وقد قال الله تعالى: “لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا” وقال سبحانه: “ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض”. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكنى بكنيته كما في حديث الصحيحين. فالحالة المسؤول عنها أولى بحكم هذا النهي. وقد ذكر القاضي عياض في الشفاء أن المشبه للنبي صلى الله عليه وسلم بغيره تشبيها يجريه مجرى عدم التوقير اللازم له ويسلك به سبيل التمثيل وان لم يكن قاصدا النقص والعيب فانه احتمل عبئا ثقيلا وباء بوزر عظيم وان حقه التأديب والتعزير بحسب شنعة مقاله. وقال: ولم يزل المتقدمون ينكرون مثل هذا ممن جاء به. وأما الأمر الثاني من الأمرين اللذين يشتمل عليهما مثل هذه الأفلام بالضرورة فهو نسبة أفعال وأقوال إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم تصدر عنه وحكاية أحوال على أنها مرت أمامه ولا صحة لوقوعها، وهذا من الافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم والتقول عليه. وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “من يقل على ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار” وحكم حكاية الأفعال الصادرة عنه والأحداث الحادثة بين يديه كحكم نقل الأقوال عنه لأنها كلها مدارك للشريعة وأبواب من السنة، إذ السنة قول وفعل وإقرار. وقد ورد في حديث انس بن مالك رضي الله عنه في الصحيح أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار” وهو عام في جميع صور الكذب سواء بنقل الأقوال أم بنسبة الأفعال والحوادث. فباعتبار كل واحد من هذين الأمرين فضلا عن جملتهما يكون إبراز الشريط السينمائي على الصورة المسؤول عنها محرما لا يجوز الإقدام عليه ومنكرا يجب منعه والوقوف دون رواجه. المصدر: مجلة جوهر الإسلام العدد 1 السنة 2 الصفحة 51 وما بعدها



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.