من نفحات السيرة المحمدية

من نفحات السيرة المحمدية


بدعوة كريمة من هيئة زاوية عبد الله بوجليدة بغرغار من معتمدية تطاوين الجنوبية وفي إطار سنة حميدة شاركت يوم الأحد 3 ديسمبر 2017م الموافق لـ 14 ربيع الاول 1439 هـ في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بإلقاء محاضرة في رحاب الجامع المجاور لضريح الولي الصالح سيدي عبد الله بوجليدة استعرضت فيها ملامح من سيرة الحبيب المصطفى سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام انطلاقا من قوله جل من قائل (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) وقوله سبحانه وتعالى (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)

  • حيث قدمت بمقدمة ذكرت فيها بأن الاحتفال بذكرى مولد سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام يندرج في إطار التذكير بالمنة الالهية والنعمة الربانية على الانسانية كافة وعلى المسلمين خاصة ببعثة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام بالدين الخاتم، دين الاسلام الذي مهدت له الديانات السماوية وبشرت به الكتب المنزلة على الانبياء والمرسلين عليهم السلام.
  • والاحتفال بمولد سيد الكائنات عليه الصلاة هو بهدا المعنى شكر لله سبحانه وتعالى على نعمه التي لا تحصى والتي أجلها وأعظمها الايمان بهذا الرسول الكريم وبالدين الذي جاء والانتماء الى هذه الأمة، أمة الاسلام التي هي خير أمة أخرجت للناس.
  • وشكر الله على ذلك من صميم السنة ومما أقر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاء يستأذنه في صوم يوم الاثنين (والصوم مظهر من مظاهر الشكر لله، قال له عليه الصلاة والسلام (صمه (يوم الاثنين) فذلك يوم ولدت فيه وبُعثت فيه)
  • أليس في هذا دليل على مشروعية الاحتفال بذكرى مولد سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام؟ فيوم مولده يوم عظيم وشهر مولده شهر عظيم فلا ضير في التعبير عن الفرحة والسرور بكل وسيلة مشروعة بهذه النعمة الالهية: ميلاد وبعثة سيد البرية عليه الصلاة والسلام.
  • ويعظم الأجر والثواب عندما تغتنم هذه المناسبة الشريفة الكريمة العظيمة لنشر سيرته العطرة وشمائله الكريمة التي هي كمال كلها، وجمال كلها، وهدي كلها، فالاسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الدين عند الله أكمله الله واتمه على يدي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ورضيه الله لعباده وقال جل من قائل (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)
  • وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوان هذا الدين المجسم له في كل تصرفاته فقد أدبه ربه فأحسن تأديبه وقال في حقه (وإنك لعلى خلق عظيم)
  • لقد اصطفاه ربه واختاره واجتباه واولاه من العناية والرعاية والحفظ ما جعل منه قبل البعثة وبعدها مضرب المثل في الخلق الكريم حتى ان قومه ومن عاش بينهم قبل بعثته التي امتدت الى اربعين سنة من عمره الشريف عليه الصلاة كانوا يلقبونه بالصادق الأمين، لم يجربوا عليه كذبا ولا تزيدا ولا غدرا ولا خيانة ينزلون عند قوله ويرضون بحكمه.
  • وكان صدقه وامانته حجة عليهم استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاقناعهم بصحة ما جاءهم به من ربه بشيرا ونذيرا، قال لهم عليه الصلاة والسلام (لو قلت لكم ان عيرا وراء هذا الجبل أمصدقي أنتم؟ قالوا: نعم لم نعهد عليك كذبا قال لهم: فإني منذركم من عذاب يوم عظيم، قولوا: لا اله الا الله تفلحوا
  • مضى عليه الصلاة والسلام يدعوهم الى ما يحييهم ضاربا عرض الحائط بكل اغراءاتهم وتهديداتهم قائلا لعمه ابي طالب الذي وسطته قريش قائلة له قل لابن أخيك ان شئت المال اغنيناك وان شئت الزواج زوجناك وان شئت وان شئت فقال عليه الصلاة والسلام (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان أترك هذا الأمر ما تركته الا ان اهلك دونه)، هنالك قال العم ابو طالب (امض يا ابن أخي لما أراك الله، والله لن يصلوا اليك حتى اوسد في التراب دفينا.

        وظل ابو طالب سندا لابن أخيه لا يناله مكروه يحميه من كل أذى يمكن ان يقدم عليه كفار قريش لذلك سمى رسول الله سنة وفاة ابي طالب ووفاة السيدة خديجة عام الحزن.

  • ومثلما كان ابو طالب في وقوفه الى جانب ابن اخيه وقفت خديجة الى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم تشد ازره وتسانده بكل ما تملك من مال وجاه ويكفي دليلا وعنوانا على ذلك قولها يوم ان عاد اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد اول لقاء له بالأمين جبريل عليه السلام قائلا: زملوني دثروني قالت له: هون عليك والله لن يخزيك الله انك لتصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر ثم أخذته الى ابن عمها ورقة ابن نوفل وهو من علماء اهل الكتاب الذي طمانه الى انه النبي الذي بشرت به توراة موسى وانجيل عيسى وانه ان عاش الى اليوم الذي يخرجه فيه قومه لينصرنه وتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ ومخرجي هم؟ قال له ورقة: ما من نبي دعا بدعوتك الا واخرجه قومه.
  • مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في درب الدعوة الى الله، حيث دعا الاقارب ودعا الاباعد وما آمن به الا قليل ممن شرح الله صدورهم ولم يمنعه الصدود والاعراض عن الاصرار والثبات على مبدأه موقنا ان النصر الذي وعده به ربه آت لا محالة.
  • وقد جاء النصر والتأييد من الله وهو في اعسر الظروف وأشدها وقد عبر عن ذلك في مناجاته لربه عندما أخرجه أهل الطائف في اليوم الشديد الحر وأطلقوا عليه صبيانهم وكلابهم قال عليه الصلاة والسلام شاكيا حاله لربه (اللهم لك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس انت ربي انت رب المستضعفين الى من تكلني الى قريب ملكته امري ام الى عدو يتجهمني ان لم تكن لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
  • وفي هذه اللحظة العصيبة الشديدة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك الجبال وقال له: انا رهن إشارتك يا محمد لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (جبلين) فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان قال (اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون لعل الله يخرج من أصلاهم من يوحده) انها الرحمة المحمدية بالمحسنين وبالذين يسيؤون وكذلك هي سيرة العظماء من الانبياء والمرسلين عليهم السلام من الصديقين والصالحين الذين لا تحمل قلوبهم حقدا، (ولا يحمل الحقد من تعلو به الرتب) وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هو في اعلى  مراتب العفو والرحمة والرفق والصفح والدفع بالتي هي أحسن في كل أحواله وظروفه.
  • وهذا الموقف نفسه سيتكرر من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يدخل مكة فاتحا فقد وقفت بين يديه قريش صاغرة ذليلة، قال لهم عليه الصلاة والسلام: ماذا ترون اني فاعل بكم اليوم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ  كريم هنالك قال لهم: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء ثم قال: من دخل الحرم فهو آمن ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن، وفي دار ابي سفيان هند آكلة كبد عمه حمزة ومع ذلك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى الا ان يعفو ويصفح، انها النبوة والرحمة في هذا الظرف العصيب الشديد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين جاءت معجزة الاسراء والمعراج وهي معجزة حسية وقعت يقظة لا مناما ولذلك كان التكذيب بها من  طرف كفار قريش اما المؤمنون ومنهم الصديق فما زادتهم الا يقينا في ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه  وسلم في هذه الرحلة الارضية ثم السماوية من مكة المكرمة الى بيت المقدس حيث ام الانبياء والمرسلين فهو امامهم وان كان خاتمهم. ثم من بيت المقدس الى السماوات العلى حيث وصل الى مقام لم ولن يصله قبله ولا بعده نبي مرسل ولا ملك مقرب فقرت عينه
  • وتوالت له عليه الصلاة والسلام الفتوحات بما اقر عينه وعيون اصحابه من المهاجرين والانصار الذين كان بهم رحيما حيث ارسل بهم في هجرة اولى وثانية الى الحبشة حيث ذلك الملك العادل النجاشي الذي خطب بين يديه جعفر ابن ابي طالب (أيها الملك كنا قوما اهل جاهلية يأكل القوي منها الضعيف ويمتص الغني الفقير نقطع الارحام ونسيء الجوار حتى بعث الله فينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وعفافه وامانته فدعانا الى ان نؤمن بالله لا نشرك به أحدا وأمرنا بحسن الجوار وصلة الارحام فأمنا به وصدقناه)
  • ولما اذن الله لرسوله عليه الصلاة والسلام بالهجرة الى المدينة وقد أذن لمن استأذنه من أصحابه الا صحابين جليلين: علي بن ابي طالب الذي استبقاه من بعده في مكة ليؤدي الامانات الى اهلها وفي ذلك اشارة واضحة الى ان دين الاسلام يدعو الى أداء الامانات الى اهلها مهما كان حالهم مسلمين أم كفارا على غير دين الاسلام أما الصحابي الثاني الذي استبقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ابو بكر الصديق الذي اتخذه رفيقا في الهجرة مثلما انه ثاني اثنين في الايمان وفي خلافته من بعده في الامة والذي يقول الله في حقه (ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) وقد استحق الصديق بهذه المعية والصحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه (لو وُزن ايمان هذه الامة بايمان ابي بكر لرجح ايمان ابي بكر) وما ذلك الا لمواقفه المشرفة من الرسول الاكرم عليه الصلاة والسلام ومن الدين الذي جاء به من عند الله
  • سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الامة سيرة قوامها وأساسها: الرفق والرحمة واللين، بذلك أمره ربه يقول جل من قائل (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف واستغفر لهم وشاورهم في الامر) فكان فيهم ومعهم وفق هذا الهدي الالهي في كل احواله: سفرا او اقامة عسرا ويسرا شدة ورخاء فكان رؤوفا رحيما رحيما بكبارهم وصغارهم، وبرجالهم ونسائهم، وبالاقارب والاباعد، جسم بسيرته هذه كل ما دعا اليه امته وامرها به فكان القدوة والاسوة بفعله وفعله قال الله في حقه (ولكم في رسول الله اسوة حسنة) في إتباعه والاقتداء به مرضاة الله والفوز بجزائه الاوفى والاوفر، ذلك هومقياس ومسار صدق ايمانهم بالله سبحانه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)
  • لقد كان عليه الصلاة والسلام مثال الاب ومثال الزوج ومثال الجار ومثال الشريك ومثال المتقاضي: رفقا ولينا وصفحا وعفوا وكرما وجودا، وبذلا وعطاء ولما سئلت عن خلقه زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت (كان خلقه القرآن)، لقد كان قرآنا يمشي على الأرض تطابق لديه وفيه الظاهر مع الباطن والقول مع الفعل قال عنه صاحبه أنس بن مالك (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، ما قال لي في يوم من الايام أف، وما قال لشيء فعلته لم فعلته ولكن كان يقول: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن)
  • كان عليه الصلاة والسلام في أهله كاحدهم يخسف نعله ويخيط ثوبه ويقول: صاحب الحاجة أولى بحاجته، يحنو ويرأف ويرحم الكبير والصغير خصوصا اذا كان يتيما وقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارة اليتم قال عليه الصلاة والسلام (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا)، وقال (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن اليه) ويقول لمن عاب عليه تقبيل ابنه متباهيا ان له عشرة من الابناء ما قبل واحدا منهم قال له عليه الصلاة والسلام (ماذا تريد مني ان افعل اذا كان الله قد نزع من قلبك الرحمة من لا يرحم لا يُرحم)
  • لقد كان عليه الصلاة والسلام انسانا سويا يفرح ويحزن ولكنه لا يقول الا ما يرضي الرب ذلك هو ما قاله وهو يودع فلذة كبده ابراهيم (يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول الا ما يرضي الرب وانا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون ولا نقول الا ما يرضي الرب) انه محمد الانسان، محمد الكمال والجمال، محمد الادب الرفيع، محمد الذي مثله لم تلد النساء، حجة الله على عباده في ذكر محامده ونشر سيرته افضل دعوة للدين الذي جاء به فهو من أدبه ربه فاحسن تاديبه وسواه راد ومردود عليه الا هو عليه الصلاة والسلام فكل سيرته وكل حياته من بعثته الى انتقاله الى الرفيق الاعلى دين وهدي قويم، عليه الصلاة والسلام في اتباعه والاقتداء به الفوز والنجاح، وفي حبه والتعلق به يتذوق المؤمن حلاوة الايمان، وبحبه تتحقق للمؤمن معيته في الجنة تلك هي الخواطر التي أوحت بها ذكرى المولد النبوي الشريف في جوار الولي الصالح سيدي عبد الله بوجليدة نفعنا الله ببركاته وأفاض علينا من نفحاته انه سبحانه وتعالى سميع مجيب


الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.