الترويح المشروع حق أباحه الاسلام للمسلم

الترويح المشروع حق أباحه الاسلام للمسلم


يخلد أبناؤنا وبناتنا التلاميذ والطلبة كما يخلد معهم كثير من العاملين والعاملات والموظفين والموظفات الى أخذ نصيب من الراحة والاستجمام والتمتع بعطلهم السنوية وهذا الاستجمام وتلك الراحة والاستراحة طبيعية ومشروعة بل تصبح في كثير من الأحيان في حكم الواجب وذلك لإعطاء الأبدان والأجسام حقها في الاستراحة بعد طول العمل والإنهماك في البذل والعطاء في مختلف أشكاله ذلك ان الكائن البشري مهما كانت حالته الصحية سليمة يحتاج بين الفترة والأخرى الى وقفة ولو كانت قصيرة للاستراحة والاستجمام واستعادة الأنفاس ليعود بعد ذلك الى عمله وموطن بذله وعطائه بأكثر حيوية وقدرة على النشاط وهذا الحق الطبيعي والمشروع في الراحة والاستجمام بالنسبة للكائن البشري رعاه الاسلام واعتبره بل دعا اليه وأكد عليه عندما جعل للانسان حقوقا عديدة امره بأن يؤديها فلربه عليه حق ولأهله عليه حق ولنفسه عليه حق ولأجل ذلك امر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم بان يعطي كل ذي حق حقه وهذا الجسم المتكون من لحم ودم وعظم بالإضافة الى أجهزة أخرى قد لا يدركها الذهن تحتاج الى الرعاية والعناية وعدم الإهمال والناظر في هدي الإسلام في هذا المجال يجده يمثل قمة الواقعية والملاءمة للفطرة التي فطر الله الناس عليها فلا رهبانية في الاسلام ولا يمكن ان يكون التشديد على النفس والتضييق عليها وحرمانها من الطيبات وتعذيبها سبيلا للتقرب الى الله ولأجل ذلك دعت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الى الوسطية والاعتدال في التعامل مع الجسد الممثل لمرحلة الحياة الدنيا لدى الانسان يقول جل من قائل (وابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله اليك) القصص، وفي سؤال استنكاري يحمل الجواب خاطب المولى عباده بقوله جل من قائل ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) الأعراف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله يحب ان يرى أثر نعمته على عبده) والدعوة الى التيسير والأخذ بالأسهل والأرفق بالانسان واضحة جلية في تعاليم الاسلام من ذلك قوله جل من قائل (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة، ومن وحي هذه الخصوصية أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبيه الخارجين الى اليمن بالتيسير عوض التعسير والتبشير عوض التنفير فقد قال لهما (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) وتحكي كتب السيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان اذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن حراما وقد كان موقفه عليه الصلاة والسلام من أصحابه الثلاثة الذين قرروا صنوفا من العبادة والتشديد على النفس والتضييق حازما وواضحا في توجيهه الرافض لهذا المنحى بدعوى التقرب الى الله فقال عليه الصلاة والسلام لهم ولأمته من بعده (أنا محمد ابن عبد الله غفر لي ربي ما تقدم من ذنبي وما تأخر أصوم وأفطر وأقوم الليل وانام وأمشي في الأسواق وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وهل يرغب مسلم صادق الاسلام ومؤمن قوي الإيمان عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القدوة والأسوة والنوذج والمثال؟ ولو رجعنا الى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدناه بشرا سويا وانسانا عاديا خاليا من العقد والمركبات بعيدا كل البعد عن الازدواجية في الموقف والممارسة العملية وذلك لعمري أحد أسباب النجاح الذي تهيأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم تجد رسالته والهدي الذي جاء به من عند ربه سبحانه وتعالى صعوبة تذكر في الدخول الى قلوب الناس واقتناعهم به فلا عنت ولا مشقة ولا ضرر ولا ضرار في الدين الذي جاء به سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام انه دين مبني على درء المفسدة وجلب المصلحة وإزالة الضرر وجعل المشقة موجبة للتيسير ان مطالب الجسد والنوازع المشروعة المخلوقة في النفس البشرية تراعيها تعاليم الاسلام ولا تعترض عليها ولا تحاول كبتها نعم انها تهذبها وتوجهها حرصا من رسول الله عليه الصلاة والسلام على جعل القناعة بهذا التوجه في الاسلام راسخة لا تقبل الجدل والنقاش كانت سيرته عليه الصلاة والسلام بين اهله وأصحابه تجسيما فعليا لهذا التوجه وكتب السيرة تتحدث عنه عليه الصلاة والسلام انه كان في أهله كأحدهم يعينهم ويساعدهم ويلاطفهم ويعمل جاهدا من أجل ان يدخل المسرة عليهم فلا يستكبر عليه الصلاة والسلام على ان يرقع ثوبه ويصلح نعله ويقضي حاجاته بنفسه ويذهب الى أبعد من ذلك فنراه عليه الصلاة والسلام يدخل في سباق بدورتين مع إحدى زوجاته مما قد يعتبره بعض المستكبرين المتعالين نوعا من النزول الى ما لا يليق فقد سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها وقال عليه الصلاة والسلام لأمته وأصحابه (خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي) ودخل عليه ذات أحد أصحابه فوجده عليه الصلاة والسلام يلاعب ابنيه الحسن والحسين فوقف هذا الأعرابي متعجبا من صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال ان لي عشرة من الأبناء ما لاطفت أو تبسمت في وجه واحد منهم فقال له عليه الصلاة والسلام (ماذا تريد مني ان أفعل لك من لا يرحم لا يرحم) وفي هذا المعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) ويؤثر عنه عليه الصلاة والسلام انه كان يطيل السجود اذا ما أحس (وهو يصلي لنفسه) بان أحد ابنيه صعد على ظهره وكذلك كان يفعل عندما يكون على المنبر ويدخل احد ابنيه الى المسجد يحمله عليه الصلاة والسلام ويتم وهو على تلك الشاكلة خطبته وفي ذلك تلقين لأمته وأصحابه من حوله بيان ان الشفقة والرحمة والرفق لا تتنافى مع هدي الاسلام والقيام بحق الله تبارك وتعالى فلا تضارب ولا تعارض بينهما في دين الاسلام ويذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبعد من ذلك مدى عندما يقف الى جانب السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تتمتع برؤية وسماع من يضربون على الدفوف ويغنون ويتراقصون في يوم عيد من الأعياد وذلك في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم و عندما يدخل أبو بكر ويرى هذا المشهد ويتساءل مستنكرا كيف يقع ذلك في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم !! فيجيبه عليه السلام (اتركهم فانهم في يوم عيد) وفي بعض الروايات إضافة هي قوله عليه الصلاة والسلام (حتى تعلم اليهود والنصارى ان في دين محمد سعة ومرح) وسواء صحت هذه الرواية أو لم تصح في ورودها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان المستقرء بعقل مستنير بعيد عن الجمود والتحجر والحرفية الضيقة يلاحظ بهذا التوجه في دين الاسلام وهديه ففي الاسلام سعة لا ضيق معها وفي الاسلام مرح لا عبوس معه اذ الاسلام هو دين الأمل والثقة في الله وكيف لا يكون كذلك والله يقول في الحديث القدسي (انا عند حسن ظن عبدي فليظن بي خيرا) فعندما يخلد في هذه الأيام من السنة التلاميذ والتلميذات والطلاب والطالبات و العمال والعاملات والموظفين والموظفات وأصحاب وصاحبات الأعمال والمهن والتجارات لأخذ نصيب من الراحة والاستجمام فالأمر حينئذ مشروع بل ومطلوب وهو حق للأبدان و الأرواح والأذهان حتى لا نكل ولا نمل وحتى يكون العطاء بعد ذلك أكبر وأحسن لفائدة المجموعة وعندما نجعل جزءا من هذه الراحة مخصصا للترويح على النفس وإقامة الأفراح والمسرات سواء بمناسبة نجاح الأبناء والبنات في الشهائد والامتحانات وهي نعمة كبرى من نعم الله علينا اذ كما قال الشاعر الحكيم نعم الـه على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الأبناء أو إقامة حفلات الختان والزواج لهؤلاء الأبناء والبنات وما يصحب كل ذلك من ترويح وتنشيط وإبداء للمسرة والحبور فان كل ذلك مطلوب ومشروع في دين الاسلام كما ان شهود مثل هذه الأفراح لدى الأجوار والأقارب والأصحاب مما يمتن صلات الترابط والتحابب بين أفراد المجتمع وهو ما دعا اليه الاسلام ويتأكد هذا الواجب نحو الأجوار أصحاب الحقوق العديدة علينا وكذلك ذوي الأرحام ان ما ينبغي ملاحظته والتذكير به في هذا المجال هو ضرورة ان تظل اقامة مثل هذه الأفراح والمسرات في الإطار المشروع فلا تكون فرصة للتحلل من القيود الدينية والأخلاقية والاجتماعية بحيث تستباح فيها المحرمات والممنوعات وهو تصرف تأباه تعاليم الاسلام الحنيف على المسلم – ورغم قيام الهياكل المحلية والهيئات الاجتماعية بالتدابير المطلوبة في مثل هذه الحالات صيانة لحقوق الجميع وحفظا لها الا انه لا تزال هنالك تجاوزات نحتاج جميعا للتوعية بأخطارها من ذلك عدم مراعاة حقوق الجار والجار في الاسلام أجوار وليس مجرد الجار بالجنب انه واحد من هؤلاء الأربعين على اليمين وعلى الشمال ومن خلف ومن امام وضمانا لحقوق الجار على جاره في الاسلام باعتبار ان الاسلام دين اجتماعي يرفض الأنانية وحب النفس ويمنع التعدي بصفة عامة وعلى الأجوار بالخصوص ضمانا للسلامة الدائمة والعلاقات المتميزة مع من نعيش معهم وبالقرب منهم في هذه الحياة الدنيا وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الجوار عديدة كثيرة لا تحصى ولا تعد فيها تذكير وتوصية بالحاح بحسن الجوار يقول عليه الصلاة والسلام (لا يزال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه) وينفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان كليا على من لا يأمن جاره بوائقه) ولا شك ان بوائقة تشمل كل مظاهر إلحاق الضرر بالجار قولا وفعلا وتطاولا بالبناء وحجب الشمس والهواء عليه وتطلعا على ما عنده ولديه في بيته ان للجار في الاسلام حقوقا كثيرة ولكن ما هو أولى وأهم في العلاقة بالأجوار هو ضرورة وحتمية وجوب أن لا نلحق بالجار أي ضرر مادي أو معنوي ولا يختلف اثنان ان من مظاهر الإضرار بالأجوار بمناسبة اقامة الأفراح والمسرات التي هي مشروعة ومباحة ومتداولة بين الناس ازعاجهم بأصوات المكبرات ليالي عديدة متعاقبة غير مراعين ان في بيوت الأجوار من هو منهك متعب من جراء عمل طويل شاق قام به عاد على اثره الى بيته طلبا للراحة التي لا يمكن ان يجدها من جراء الأصوات المزعجة المنطلقة من منازلنا، وفي بيوت الأجوار المسنون العجزة الذين لا يكادون ينامون الا قليلا، وفي بيوت الأجوار المرضى المصابون وفي بيوت الأجوار الأطفال الرضع والصغار الذين لا يطيقون تحمل هذا الهرج، وفي بيوت الأجوار من يتهيأون في الغد للامتحانات والمناظرات وغير ذلك من متطلبات الحياة ومستلزماتها المتاكدة أيجوز لنا ان لا نراعي مشاعرهم وحاجاتهم و ظروفهم؟ ان اللامبالاة منا عندئذ تنقلب الى أنانية وغطرسة وعدوان يدخل ضمن البوائق التي أشار اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآنف الذكر فعسى ان يكون لنا في هدي الاسلام في مجال الترويح وإبداء المسرة ما يمنع كل تجاوز وضرر يلحق بالمجموعة والله الهادي الى الطريق المستقيم



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.